بازگشت

شوذب مولي شاكر


«أقاتل دون ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي أقتل»

ففي يوم المعركة، و اشتداد هجمة العدو و قد رفض أسلوب المبارزة مع أصحاب الحسين عليه السلام لأنهم ألحقوا به خسائر فادحة، و عندما لم يبق مع الحسين عليه السلام غير أهل بيته و نفر معدود من أصحابه، (جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري، و معه شوذب مولي شاكر، فقال: يا شوذب، ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع، أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حتي أقتل. قال: ذلك الظن بك. أما لا فتقدم بين يدي أبي عبدالله حتي يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، و حتي احتسبك أنا، فانه لو كان معي الساعة أحد أنا أولي به مني لسرني أن يتقدم بين يدي حتي أحتسبه، فان هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكل ما قدرنا عليه، فانه لا عمل بعد اليوم، و انما هو الحساب. فتقدم فسلم علي الحسين، ثم مضي فقاتل حتي قتل) [1] .

كان شوذب الشيخ حليف شاكر، والذي كان حافظا للحديث و من وراد أميرالمؤمنين عليه السلام و منتهلي علمه، و قد صحب عابسا الي مكة، و بقي مع الحسين عليه السلام حتي ورد كربلاء... لا يري مجالا لخيار آخر، و الخيار الوحيد أمامه هو أن يقاتل دون الحسين حتي يقتل، و كان تصرفه في تلك اللحظات الدقيقة بمستوي وعيه و معرفته، فمهمة الحسين لا تنجز الا بالتصدي المعلن المشكوف لنظام الانحراف و مواجهته و كشف زيفه و عدم شرعيته، و اذ أن الأمر كان لا بد أن يقتضي


تقديم الدماء - فذلك النظام لن يسكت عن أية مواجهة أو نقد - فان شوذب سارع الي ذلك و تقدم يسلم علي الحسين عليه السلام و يقاتل معه، حتي قتل.

و عندما بقي عابس بن أبي شبيب وحيدا بعد قتل شوذب، تقدم نحو الحسين عليه السلام ثم قال: (يا أباعبدالله، أما والله ما أمسي علي ظهر الأرض قريب و لا بعيد أعز علي و ل أحب الي منك، و لو قدرت علي أن أدفع عنك الضيم والقتل بشي ء أعز علي من نفسي و دمي لفعلته. السلام عليك يا أباعبدالله، أشهد الله علي أني علي هديك و هدي أبيك، ثم مشي بالسيف مصلتا نحوهم و به ضربة علي جبينه) [2] .

لم يبذل من الوعود لمسلم، و قد كان بعيدا عن الموت، أكثر مما كان يبذل الآن و قد أصبح بمواجهته.

كان ابن أبي شبيب - بشهادة أعدائه - أشجع الناس و كان مشهورا بالفروسية والقوة، و لم يكن بمقدور أحد من أعدائه أن يواجهه بمفرده.

و قد ذكر أحد جنود ابن سعد، و هو نفسه الذي حرض الناس عليه، و كان قد عرفه و شاهده في المغازي، ربيع بن تميم الهمداني... قال:

(لما رأيته مقبلا عرفته و قد شاهدته في المغازي، و كان أشجع الناس، فقلت: أيها الناس، هذا الأسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجن اليه أحد منكم، فأخذ ينادي، ألا رجل لرجل؟ فقال عمر بن سعد: أرضخوه بالحجارة. فرمي بالحجارة من كل جانب.

فلما رأي ذلك، ألقي درعه و مغفره، ثم شد علي الناس، فوالله لرأيته يكرد أكثر من مائتين من الناس، ثم انهم تعطفوا عليه من كل جانب، فقتل، فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة، هذا يقول: أنا قتلته، و هذا يقول: أنا قتلته،فأتوا عمر بن سعد، فقال: لا تختصموا، هذا لم يقتله سنان واحد، ففرق بينهم بهذا القول) [3] .

مضي بن أبي شبيب يواجه أعداء الحسين عليه السلام كلهم بعزيمة صادق و قلب ثابت لم يعرف الخوف الا من الله و لم ير لأعدائه شأنا، و كان واثقا من عدالة القضية التي رفعها الحسين عليه السلام، واثقا من نجاحها، و كان يدرك أن دمه لن يضيع هدرا،


و أن أجيالا من الأمة ستظل تتطلع اليه كانسان رسالي حمل هموم الأمة كلها و نجح في التغلب علي مخاوفه من الموت، مدركا نهاية سعيدة لمثل تلك الوقفة التي كان يقفها مع الحسين عليه السلام.


پاورقي

[1] الطبري 329/3 والخوارزمي 23/2.

[2] المصدران السابقان و نهاية الارب 455/20.

[3] الطبري 329/3 والخوارزمي 23/2 والنويري 455/20.