بازگشت

عابس بن شبيب الشاكري


«والله لاجيبنكم اذا دعوتم و لأقاتلن معكم عدوكم» و لعابس بن أبي شبيب الشاكري مواقف لا يمكن أن تغيب عن الذاكرة في الطف و قبلها، و هي مواقف جديرة بالتأمل و الدراسة.

فعند قدوم مسلم الكوفة، نزل دار المختار بن أبي عبيد، و قد توافد أهل الكوفة عليه لمبايعة الامام الحسين عليه السلام و تلقي توجيهات مبعوثة، و قد قرأ عليهم مسلم كتاب الامام اليهم و مضمونه: (قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم، و مقالة جلكم: أنه ليس علينا امام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك علي الهدي والحق، و قد بعثت اليكم أخي وابن عمي و ثقتي من أهل بيتي، و أمرته أن يكتب الي بحالكم و أمركم و رأيكم، فان كتب الي أنه قد أجمع رأي ملئكم و ذوي الفضل و الحجي منكم


علي مثل ما قدمت به علي رسلكم، و قرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكا - ان شاء الله - فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب، والأخذ بالقسط، و الدائن بالحق، والحابس نفسه علي ذات الله) الطبري 278/3، فأخذوا يبكون، و كانت تلك اشارة الي استجابتهم له و تأثرهم بموقفه من النظام المنحرف و ثورته بوجهه، غير أن تلك الفورة العاطفية ربما لن يكون لها أن تستمر بمواجهة الارهاب الذي لا بد أن تعد له الدولة و هي تري تمرد الكوفة عليها، و لربما أصبح العديدون من أولئك الباكين عونا لهذه الدولة علي الحسين، كما كان الحال فعلا بعد ذلك، و لم يكن احتمال انقلاب الناس علي الحسين و تخليهم عنه أمرا غير وارد عند عابس، و لهذا فانه لم يكن يطمئن الي ثبات موقفهم للحسين عليه السلام الي النهياة، غير أنه كان مطمئنا الي أمر لا شك فيه، و هو ثباته هو و استعداده للمضي مع الحسين الي نهاية الشوط و مهما كانت العواقب.

و هذا ما تعهد به لمسلم، و قد وقف امامه في ذلك الحشد قائلا:

(أما بعد، فاني لا أخبرك عن الناس، و لا أعلم ما في أنفسهم، و ما أغرك منهم، والله لأحدثنك عما أنا موطن نفسي عليه. والله لأجيبنكم اذا دعوتم، و لأقاتلن معكم عدوكم، و لأضربن بسيفي دونكم حتي ألقي الله، لا أريد بذلك الا ما عند الله) [1] .

كان عابس يتمتع ببصيرة نفاذة و معرفة دقيقة بأمور الناس في ظل أوضاع الظلم، و مع أن كفة مسلم تبدو راجحة في ذلك الحين، و مجاميع كبيرة من الناس تفد عليه لمبايعة الحسين عليه السلام. الا أن عابس أدرك ان لك الاندفاع ما كان له أن يستمر اذا ما كشرت الدولة عن أنيابها و أرسلت غير النعمان واليا علي الكوفة.

و رغم معرفته هذه، فانه لم يعلن أنه ينسحب و يتراجع لأن الناس سينسحبون و يتراجعون، فقد استوعب أبعاد الموقف كله و عرف دوافع الحسين عليه السلام من الثورة، و عرف أن شيئا ما غيرها لن ينجمع بلفت نظر الأمة الي رداءة أوضاعها في ظل الحكم الأموي المتسلط. و قرر أن يظل مع الحسين عليه السلام و أن يعلن قراره هذا امام ملأ من أهل الكوفة وقف يذرف الدموع أمام مسلم و هو يستمع لرسالة الحسين.

لم يكن يعتقد أن قضية الحسين عليه السلام خاسرة و هو يحتمل تخلي أهل الكوفة


عنه، بل كان يراها ضرورية رغم الدم الذي سيراق و رغم احتمال انقلاب أهل الكوفة عليه و وقوفهم الي جانب عدوه، و هكذا أراد أن يضيف دمه لتلك الدماء المراقة و أن يواجه أعداء الأمة بسيفه و دمه ما دام ان ذلك هو الحل الوحيد لاعلان رفض حكومة الانحراف و لفت نظر الأمة الي ممارساتها الخاطئة والبعيدة عن الاسلام.

و قد فسح عابس المجال لمتحدثين آخرين كحبيب بن مظاهر و سعيد بن عبدالله الحنفي للكلام في ذلك الحشد، و كانت كلماتهم تتخذ نفس الاتجاه الذي اتخذته كلمة عابس، و لقد و في ثلاثتهم بوعودهم و صمدوا مع الحسين عليه السلام و استشهدوا بين يديه.


پاورقي

[1] الطبري 279/3.