بازگشت

الغدر


و اذ أنه كان مشغولا بعدوه الأول يزيد، (حمل عليه رضي بن منقذ العبدي،


فاعتنق بريرا، فاعتركا ساعة، ثم أن بريرا قعد علي صدره) [1] و لو فسح له المجال لقتله، غير أن هذا استنجد بأصحابه صائحا: (أين أهل المصاع والدفاع) [2] .

و هنا انبري من غدر ببرير رغم علمه بفضله و منزلته، فقد كان يقرأ القرآن مع جماعة من الناس في المسجد، و قد كان سيد القراء، (ذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه،[ فقيل له ]ان هذا برير بن خضير القاري ء الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد، فحمل عليه بالرمح حتي وضعه في ظهره) [3] .

طعن برير اذا و أوشك أن يموت، و لم يشأ أن يضيع اللحظة القصيرة الباقية له من العمر دون أن يستفيد منها في جهاد عدو الله و عدوه، و يحاول قتل هذا العدو الذي تطوع للدفاع عن صاحبه المقتول (فلما وجد مس الرمح برك عليه فغض بوجهه، و قطع طرف أنفه، فطعنه كعب بن جابر حتي ألقاه عنه، و قد غيب السنان في ظهره، ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتي قتله) [4] غدرا و غيلة، فذلك هو شأن الجبناء الخائفين الذين شعروا بالخور والجزع حتي و هم كثيرون متسلحون، و لم ير ابن جابر، عندما غدر ببرير، أنه كان يغدر حقا، و لم ير فيه مساسا بسمعته و كرامته، فما بقيت في ظل دولة الظلم سمعه أو كرامة يخشي المرء عليها.

و اذ أن العبدي الصريع الذي أوشك أن يقتله برير قد شكر ابن جابر علي صنيعه معه و قال له: (أنعمت علي يا أخا الأزد نعمة لن أنساها أبدا) [5] .

فان امرأته و أخته النوار بنت جابر غضبت منه اذ غدر ببرير، فمرغ بذلك سمعته و سمعة أهله و قومه الي الأبد، و تمادي في الدفاع عن دولة الظلم و قاتل الحسين ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و لم يكن أحد قد ألزمه القيام بما قام به، و كانت مبادرة شخصية منه أراد بها اثبات ولائه وانحيازه لهذه الدولة الظالمة.

قالت له النوار، بعد رجوعه من المعركة: (أعنت علي ابن فاطمة، و قتلت سيد القراء، لقد أتيت عظيما من الأمر، والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا) [6] .

لم يكن هذا القاتل الغدار امرء مغفلا أو غبيا، بل كان واعيا مدركا لما كان يدور من حوله، و كان يتمتع بملكة شعرية كبيرة أفصحت عنها أبياته التي قالها بهذه المناسبة ردا علي النوار و قد غضبت منه، و قد شخص حاله و حال قومه تشخيصا جيدا عندما


أرانا في أبيات شعرية قليلة معبرة انه انما كان يريد بموقفه ذاك أن يرضي عبيدالله بن زياد و يرضي (الخليفة) يزيد، و لا يهمه بعد ذلك ان رضي الناس عنه أو غضبوا منه.

أنه يعرف الذين قتلهم و يعرف شجاعتهم، بل أنه لم ير لهم مقيلا في حياته، و قد شهد لهم بتلك الشجاعة التي أبدوها في ساحة الوغي والقوة التي ظهروا بها، مع أن غيرهم، لو كانوا في موقفهم لما استطاعوا أن يظهروا ولو بعضا منها.


پاورقي

[1] الطبري 323/3.

[2] الطبري 323/3.

[3] الطبري 323/3.

[4] الطبري 323/3.

[5] الطبري 323/3.

[6] الطبري 323/3.