بازگشت

محاورات و مواقف


و تكشف لنا محاورة جرت بين برير بن خضير، و بين أحد أصدقاء الأمس


و خصوم اليوم، يزيد بن معقل، من بني عميرة بن ربيعة، عند بدء القتال، عن ثقة برير بموقفه و مسيره مع الحسين عليه السلام و ثباته عليه.

و كان الذي بدأ هذه المحاورة يزيد بن معقل نفسه، عندما أراد - بظنه - أن يري بريرا كم كان مخطئا عندما اختار طريق الحسين، الذي يوشك أن ينتهي به الآن الي الموت قتلا.

وحاول و قد اختلط بآلاف الجند المعادين للحسين عليه السلام، والتي تحيط بالحسين و أصحابه أن يري برير كيف أنه - و بالعكس منه تماما - يشعر بالأمان، والثقة بموقفه و تصرفاته، أليست هذه الآلاف المؤلفة معه، أيمكن أن ينال الحسين و أصحابه منهم و هم جميع و بتلك الكثرة.؟ أيمكن أن يكون هذا الجمع الحاشد كله علي خطأ والحسين و أصحابه فقط علي صواب.؟.

ربما كان مقياس الكثرة هو ما أراد يزيد أن يقنع نفسه به، و هو مقياس طالما جعل كثيرين من معادي الديانات والرسل علي ثقة من صواب مواقفهم عندما و جدوا أنهم كثيرون و وجدوا أصحاب الرسل و أعوانهم قليلين، ولعل يزيد أراد أن يتظرف أو يضفي لمسة خاصة علي تصرفاته المنحازة للأمويين علي اعتبار أن قناعته وحدها بصواب موقفهم هي التي جعلته ينحاز اليهم، و يشارك في هذه المجزرة.

وء أنه كان ينطلق من موقف مبدئي، لا يري فيه حقا للحسين و أصحابه للوقوف بوجه دولة الظلم.

و مهما يكن فان بريرا قد خيب أمله، عندما ناداه هذا قائلا: (يا برير بن خضير، كيف تري الله صنع بك؟) [1] ، و قد كان يحسب أنه سيجيبه بمذلة و استعطاف، فقد أجابه بقوله: (صنع الله، والله، بي خيرا، و صنع بك شرا..) [2] .

و لم يحسب يزيد أن جواب برير سيكون بتلك القوة، و لعله قد فوجي ء به، و خاف سخرية زملائه الذين لا بد أنه قد تعهد أمامهم باحراجه و اسكاته و اذلاله، فلم يكن ما سمعوه كلام ذليل خائف، و ها هو يوشك أن يذل هو نفسه.

قال يزيد: (كذبت، و قبل اليوم ما كنت كذابا. هل تذكر و أنا أماشيك في بني لوذان، و أنت تقول: أن عثمان بن عفان كان علي نفسه مسرفا، و أن معاوية بن أبي سفيان ضال مضل، و أن امام الهدي والحق علي بن أبي طالب؟) [3] .


كان يزيد يحسب أن برير وقد أحاط به أعداؤه الموالون للأمويين، سيتنصل عن كلامه هذا و سينكره أمامهم بعد أن واجهه به لئلا يثير حفيظتهم و غضبهم، مع أن الأغلبية منهم كانت تري رأيه، الا أنها انقلبت عليه الآن بفعل الموجة الأموية التي علمتهم و غمرتهم و اكتسحتهم أمامها نفايات و زبدا، غير أنه فوجي ء ثانية عندما قاله برير: (أشهد أن هذا رأيي و قولي..) [4] .

لقد جعله موضع سخرية أمام زملائه فعلا، ولعل ضحكات بعضهم قد صكت أذنيه. و هنا لم يملك الا اللجوء للشتيمة والباطل، فقال، و قد أفحم و أهين: (فاني أشهد أنك من الضالين) [5] .

فما تجدي شهادته أمام الحقيقة التي يعرضها الجميع؟.

ربما أخذ يتلفت هنا للحصول علي مزيد من التأييد لشهادته الباطلة هذه.

و هنا وجد برير فرصته للنيل من هذا الضال المضل الذي يرمي غيره بعاره، و هو في غمرة خجله و حرجه أمام زملائه، فليدعه للقتال، و لن يستطيع التنصل طالما أنه نصب نفسه محاميا و مدافعا علي النظام الظالم، فدعاه قائلا: (هل لك فأباهلك، ولندع الله أن يلعن الكاذب، و أن يقتل المبطل، ثم اخرج فلأبارزك) [6] .

و هل يملك هذا المتحدي الضعيف سوي أن يستجيب لمطلب برير، و الا فانه يحكم علي نفسه أمام الجميع بالكذب والجبن، بعد أن أراد الصاق هاتين النقيصتين ببرير، و قد رضي بما عرضه عليه (فخرجا، فرفعا أيديهما الي الله يدعوانه أن يلعن الكاذب، و أن يقتل المحق المبطل، ثم برير بن خضير ضربة خفيفة لم تضره شيئا، و ضربه برير بن خضير ضربة قدت المغفر، و بلغت الدماغ فخر كأنما هوي من حالق و أن سيف ابن خضير لثابت في رأسه، فكأني أنظر اليه ينضنضه من رأسه) [7] .. قتله برير اذا، قتل المحق المبطل، فقد استجاب الله دعوته، و أخزي عدوه، و لعذاب الآخرة وخزيها أشد.


پاورقي

[1] الطبري 322/3.

[2] الطبري 322/3.

[3] الطبري 322/3.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق.

[6] المصدر السابق.

[7] الطبري 323/3.