بازگشت

مع الحسين حتي الشهادة أنحن نخلي عنك


و نري مسلم بن عوسجة قبل عاشوراء بليلة واحدة و هو يستمع للحسين عليه السلام و قد جمع أصحابه و أهل بيته في تلك الليلة التي تجمعت فيها نذر الحرب، يعلن أن الجميع في حل من مغادرته و يطلب منهم اذا ما اتخذوا القرار بذلك أن يستغلوا سواد الليل حفاظا علي أرواحهم، و قال لهم: (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم و مدائنكم حتي يفرج الله، فان القوم انما يطلبوني، و لو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري) [1] .


و قد رفض أصحاب الحسين ذلك رفضا قاطعا و أبوا الا البقاء معه والاستشهاد بين يديه، و كان مسلم بن عوسجة، الشيخ الكبير، أول من أجابه من أصحابه، فقال: (أنحن نخلي عنك و لما نعذر الي الله في أداء حقك؟ أما والله حتي أكسر في صدورهم رمحي، و أضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح، أقاتلهم لقذفتهم بالحجارة دونك حتي أموت معك) [2] .

كان مسلم حذرا في جوابه هنا رغم معرفته بأصحاب الحسين،فلقد مر بتجربة سابقة رأي فيها كيف أن أصحاب مسلم بن عقيل قد تفرقوا عنه رغم الحماس الذي أبدوه قبيل ساعات من تفرقهم عنه، ولعله كان يتوقع موقفا مماثلا من بعض من كان معه من أصحاب الحسين عليه السلام. و كان جوابه - و في القسم الأول منه - يحمل الجميع مسؤولية الدفاع عن الحسين والوقوف الي جانبه، ويؤكد في القسم الأخير علي موقفه هو شخصيا و ما سوف يقوم به دفاعا عنه، فهو واثق و متأكد من موقفه هذا. وكذا تحدث عن نفسه بذلك الوضوح العجيب الذي لمسناه في اجابته.

لم يكن مسلم بن عوسجة يجد سببا لترك الامام ليضطلع وحده بهذه المهمة الدقيقة الصعبة دون أن يشاركه فيها، لقد فهم هذه المهمة و أدرك أبعادها و مراميها الحقيقية، و رأي أن علي كل فرد من أبناء هذه الأمة دورا ينبغي أن يلعبه فيها، أما كيف يحجم أحد عن ذلك، فهذا ما لم يستطع مسلم أن يفهمه، كيف سيكون موقفها أمام الله ان هي تخلت عنه و تخلت عن امامها الشرعي الحقيقي.

لقد وجد في يده سيفا فكيف لا يحارب به...؟ وهبه لم يجد ذلك السيف، الا تكفي الجحارة في تلك الحال ولو الي حين الي أن يموت مع امامه؟ ليكون سعيدا بعد ذلك و قد أدي واجبه بجدارة..؟ و هل الموت وحده، هو الذي يقف عائقا دون نصرته..؟ و هل الموت مخيف لتلك الدرجة التي يخشي فيها الانسان مواجهة ربه مع أنه الي صفه و في جانبه..؟ أيخشي المؤمن الموت حقا..؟ هذا ما لم يفكر به مسلم و هو يجيب تلك الاجابة الحازمة القاطعة، و هذا ما لم يفكر به أصحاب الحسين كلهم وقد وقفوا وقفة جديرة بهم، و أثبتوا أنهم أنصار الاسلام حقا.



پاورقي

[1] الطبري 315/3 واللهوف 38 و روضة الواعظين 183 وابن الأثير 285/3 والخوارزمي 1 ف 11 والمفيد 210 و أمالي الصدوق م 30 و جمهرة خطب العرب 41-2 والبحار 492-44 والبلاذري 185/3 والنويري 435/20.

[2] المصدر السابق.