بازگشت

رغم شيوخته، كان طودا شامخا احتسب نفسي و حماة أصحابي


لقد كان لحبيب شأنا كبيرا، فقد كان فارسا مقداما لم يتوان عن رمي نفسه بأشد المواقف خطرا، و كان من أشد أصحاب الحسين نصرة له و تفانيا في الذب عنه و عن أهل بيته و أصحابه. فعندما (قتل حبيب بن مظاهر، هد ذلك حسينا، و قال عند ذلك: أحتسب نفسي و حماة أصحابي) [1] .

أما قتلة حبيب، فقد حسبوا أن من حقهم أن يتباهوا بقتله و حز رأسه، و قد تنافسوا علي (الفوز) به. أيهم يقدمه لابن زياد، فعندما احتز التميمي الرأس أراد حصين أخذه منه بحجة أنه شريكه في قتله، و قال له: (أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يري الناس و يعلموا أني شركت في قتله، ثم خذه أنت بعد فامض به الي عبيدالله بن زياد، فلا حاجة لي فيما تعطاه علي قتلك اياه. فأبي عليه، فأصلح قومه فيما بينهما علي هذا، فدفع اليه رأس حبيب بن مظاهر، فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه، ثم دفعه بعد ذلك اليه.

فلما رجعوا الي الكوفة، أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه، ثم أتي الي ابن زياد في القصر) [2] .

حسب حصين أن رضا ابن زياد عنه أهم من المال الذي سيكسبه منه، فربما سيزداد حظوة لديه، اذا ما علم أنه تفاني في خدمته و قتال عدوه، و ربما سيعمد في


تلك الحال الي تعيينه في وظيفة كبيرة أو منحه مالا أكثر من ذلك الذي كان سيعطيه اياه فيما لو أخذ الرأس اليه مع التميمي، و الا فما الدافع له علي قتل حبيب والافتخار بقتله. اللهم الا اذا كان غرضه الانتقام منه لما ألحقه به من اهانة و قد كاد أن يقتله عندما تهجم علي الحسين و أصحابه و قال ان الصلاة لا تقبل منهم.

و لم يسلم قاتل حبيب من القتل، و لو بعد حين؛ فقد قتله ابن حبيب، القاسم عندما أصبح شابا، و قد بصر به و هو يومئذ قد راهق، فأقبل معه لا يفارقه عند دخوله قصر ابن زياد و خروجه منه. و قد سأله عن سبب ذلك، فقال له: (ان هذا الرأس الذي معك، رأس أبي، أفتعطينيه حتي أدفنه؟.

قال: يا بني لا يرضي الأمير أن يدفن، و أنا أريد أن يشيبني الأمير علي قتله ثوابا حسنا، قال له الغلام: لكن الله لا يثيبك علي ذلك الا أسوأ الثواب. أما والله لقد قتلت خيرا منك) [3] .

لم يكن هذا التميمي مثل حصين، و لقد أفصح عن غرضه من قتل حبيب. أن يثيبه الأمير علي قتله ثوابا حسنا، يمنحه قدرا من المال جزاء ارتكابه هذه الجريمة، كان لا يري أمامه رازقا و مثيبا و قادرا سوي هذا الأمير الذي جعله مثلا أعلي له، أما الله فلم يكن يراه، حتي كما يراه هذا الغلام الصغير، القاسم بن حبيب، و قد أدرك أن أباه كان علي حق، و أنه بالتأكيد خير من قاتله و من أميره و من كل أفراد الجيش الخانع الذليل.

و قد نال هذا القاتل جزاءه في هذه الدنيا، كما ناله معظم القتلة الآخرين، اذ أن القاسم ابن حبيب عندما (أدرك لم يكن له همه الا اتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه، فلما كان زمن مصعب بن الزبير، و غزا مصعب باجميرا، دخل عسكر مصعب، فاذا قاتل أبيه في فسطاطه، فأقبل يختلف في طلبه والتماس عزته، فدخل عليه و هو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتي برد) [4] فخسر بذلك دنياه، أما في الآخرة، فلا أحد يستطيع وصف جزائه و عقابه، و سيكون بلاشك عقابا كبيرا تأخذه فيه زبانية جهنم أخذا شديدا، أليس ذلك ما وعد الله به من نصب العداوة لرسوله صلي الله عليه و آله و سلم والخلص من أصحابه والمؤمنين به؟.



پاورقي

[1] المصدر السابق 327/3.

[2] المصدر السابق 327/3.

[3] المصدر السابق 327/3.

[4] المصدر السابق 327/3.