بازگشت

«هذا رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفي شربة لا أظمأ بعدها أبدا...»


و قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وجه سلاما حميما لأبيه رافعا صوته بأقصي ما قدر عليه: (يا أبتاه، عليك مني السلام، هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفي


شربة لا أظمأ بعدها أبدا، و هو يقول لك: العجل، العجل، فان لك كأسا مذخورة حتي تشربها الساعة.

و شهق شهقة كانت فيها نفسه، و فارقت روحه الدنيا) [1] .

كانت روحه متعلقة بأبيه، و كان يعلم أنه في أثره الي حيث يلقي جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ليسقيه كأسه المذخورة، هتف به: العجل العجل، فما كان ينبغي له البقاء مع تلك الأمة الضعيفة المستسلمة التي أصبحت أداة صماء بأدي حكامها المنحرفين المعادين للاسلام. و كان علي الأمة بعد ذلك أن تثبت جدارتها للانتساب للاسلام و لمحمد صلي الله عليه و آله و سلم و علي والحسين عليه السلام و أن تكون بمستوي رسالتها و مسؤولياتها، و الا فانها ستظل عاجزة، فاقدة الارادة، غير قادرة علي التخلص من نير الظالمين والعابثين و أعداء الاسلام الي الأبد.

كان جزاء الحسين عليه السلام من أمته أن تقدم علي قتل ابنه و آله و أصحابه و تستهدفه بالأذي والموت بذلك الشكل الوحشي المريع.

حدث حميد بن مسلم الأزدي و كان مقربا من ابن سعد، و أحد أفراد الجيش المستنفر لحرب الحسين عليه السلام و قتله، قال: (سماع أذني يومئذ من الحسين يقول: قتل الله قوما قتلوك يا بني. ما أجرأهم علي الرحمن، و علي انتهاك حرمة الرسول، علي الدنيا بعدك العفا) [2] .

لقد أثار مقتل علي الأكبر موجة من الحزن في معسكر الحسين عليه السلام و كان صداه بين الجميع مؤلما مفجعا و خصوصا بين النساء والأطفال.. أما الشباب والرجال فكان يخفف من أحزانهم علمهم بأنهم لاحقون به علي الأثر. و كانوا جميعا شهداء علي هذه الأمة التي جعل منها حكامها أمة سوء و جهل و أداة للشر والعدوان. أما الحسين عليه السلام فكان ألمه لا يطاق من هذه الجرأة التي استهدفته شخصيا، و كان أجدر أن يعامل بنفس الاحترام والتقدير اللذين عومل بهما جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من قبل.


و قد تغلب علي آلامه والتفت الي فتيانه من آل أبي طالب و قال لهم: (احملوا أخاكم، فحملوه من مصرعه حتي وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه) [3] .

و كانت جرأة علي الله و علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أن يتصدي لآل الله و رسوله، من قاموا يقتلونهم و يذبحونهم و يحملون رؤوسهم لابن زياد و يزيد فيما بعد، و كأنهم لم يعرفوا الاسلام و لم يلهجوا بذكر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. و كأن الاسلام كان كلا عليهم و كأنه حملهم ما لا يطيقون فأرادوا الانتقام ممن جاءهم به، و ما كان أحد يستطيع بلوغ الحد الذي بلغوه في انتقامهم و قسوتهم.


پاورقي

[1] الخوارزمي 31-2 و مثيرالأحزان ص 53 و مقتل العوالم ص 95 واللهوف ص 48 و مقاتل الطالبيين ص 85.

[2] الطبري 331/3 و ابن اوثير 293/3 و الخوارزمي ج 2، ص 31.

[3] الطبري 331/3 وابن الأثير 293/3 والخوارزمي 31/2 والنويري 455/20.