بازگشت

قتلوا فبقوا أحياء عند ربهم يرزقون


لقد استجاب اخوة العباس لنداء أخيهم استجابة تامة، و عندما نصروا امامهم و أخاهم الحسين عليه السلام و استشهدوا بين يديه. فلماذا عساهم قدموا الي هنا؟ و ماذا كانوا يتوقعون من مواجهة دولة الظلم و تحديها سوي الأذي والقتل؟.

و قد قتلوا و قطعت رؤوسهم و أخذت مع رأس الحسين عليه السلام و رؤوس أصحابه الي ابن زياد، ثم الي يزيد بعد ذلك. لتظل شاهدة علي نوع جديد من الجرائم يبتكر في ظل الدولة الأموية اليزيدية. فقطع الرؤوس (فن) لم يستحدث الا الآن و رفعها علي الأعمدة كان قمة الابداع في هذا الفن الجديد، كان نوعا من الارهاب تمارسه السلطة لتسكت أعداءها و مناوئيها. و لا يهم ان كان الاسلام قد أقر ذلك أم لم يقره، انما المهم في نظرها تثبيت دعائم العرش و ان كان علي أشلاء و جماجم المسلمين.

و كأن الجيش الهمام الذي قطع الرؤوس و داس الجثث بسنابك خيله قد أدي عملا جليلا للمسلمين فتح فيه أبواب الصين أو روما لهم.

و لم يدرك القائمون بالجريمة فضاعة عملهم الا بعد أن انتهوا منها، و ربما أدرك بعضهم ذلك حال الانتهاء منها مباشرة. كما أن الأمة قد انتبهت الي شناعتها و وعت مخاطرها و آثارها بعد مدة قصيرة جدا، ثم بدأ وعيها يتعمق بعد ذلك، حينما أدركت أنها بسكوتها قد ساهمت بأكبر جريمة قيض للبشرية أن تشهدها في تاريخها. و أن المنفذين لها قد أعلنوا بذلك حقيقة موقفهم المعادي للاسلام و لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه أيضا.

ألم يحذرها الحسين عليه السلام و يلفت نظرها لذلك بشكل واضح؟ فلماذا لم تحذر و لم تلتفت و تغاضت بشكل مهين مستسلمة لحكامها و جلاديها الذين جردوها من أبسط مكاسبها و حقوقها و حرياتها متذرعين بالاسلام نفسه بعد أن شوهوا و حرفوا الكثير من أحكامه و تشريعاته و تاريخه..؟.

ان كان لابد من القتل فلتجلب الماء للعطاشي:«يانفس من بعد الحسين هوني..»

و يبدو أن عبدالله و عثمان و جعفر كانوا يشكلون من أخيهم العباس الدرع الأخير و قوة الحماية الرئيسية للحسين عليه السلام، و بد أن استشهدوا لم يبق منهم الا العباس.


و قد بدا الآن، بعد أن تساقط أنصار أخيه جميعا، و قد ظل وحيدا معه، أن دوره في الشهادة قد حان الآن، ليعقبه دور أخيه و امامه بعد ذلك، و هو ما كان يؤلمه و يحزنه كثيرا، فقد كان أعلم الناس بمنزلته و مقامه، و ها هو يري كيف يتجرأ عليه أعداؤه رغم كل شي ء.

كان صاحب لواء الحسين عليه السلام و حامل رايته، فاذا قتل و سقطت الراية، فان ذلك سيكون ايذانا بانتهاء المعركة لصالح العدو.. و هكذا فانه عندما طلب منه الاذن في القتال لم يأذن له، ثم عندما ألح طلب منه أن يجلب قليلا من الماء للأطفال العطاشي الذين كانوا يصرخون و يطالبون بالماء و كان منهم سكينة بنت الحسين عليه السلام.

و اذا أن أعداءه منعوه الماء، و أعدوا عدتهم للحيلولة بينه و بين الوصول للنهر، بعد أن أخذه بالقوة قبل ثلاثة أيام. فانه قرر أن يعيد الكرة هذه المرة مهما كانت النتائج و مهما كان عدد الأعداء المتربصين المتأهبين لمواجهته و منعه.

و هكذا اقتحم النهر، غير مبال بجمع الأعداء و استطاع أن يقتل من تصدي له منهم و وقف بوجهه و وصل النهر سالما.

و هنا نشاهد منظرا فريدا للايثار والحب، فقد مد العباس يديه - بطريقة عفوية تلقائية لعطشه و حاجته للماء - ليغترف منه غرفة و اذا أدناها من فمه، قفزت الي ذهنه صورة أخيه الحسين و العطاشي من النساء والأطفال الذين كان يضمهم مخيمه، و لم يستطع رغم أنه كان بأشد الحاجة للماء أن يشرب منه شيئا. و قيل أنه أنشد في تلك اللحظة قائلا:



يا نفس من بعد الحسين هوني

و بعده لا كنت أو تكون



هذا الحسين وارد المنون

و تشربين بارد المعين



تالله ما هذا فعال ديني [1] .


پاورقي

[1] البحار 41/45 والمناقب لابن شهر آشوب 108/4.