بازگشت

فان استطعت أن تؤخرهم الي غدوة لعلنا نصلي لربنا الليلة


و قد استمعنا لنصائح و خطابات حبيب بن مظاهر و زهير بن القين التي ألقياها خلال فترة ذهاب العباس عليه السلام و عودته.. و كان من الأجدر بمن استمع اليها أي يعي معانيها حقا، و يعي الدوافع التي جعلت أنصار الحسين عليه السلام و هم قلة، يقبلون علي الموت بذلك الثبات والعزيمة، و ينضم اليهم و يناصرهم في المهمة الكبيرة التي أخذوا علي عواتقهم انجازها، لا الانضمام الي جانب أعدائهم، و هم بالتأكيد أعداء الأمة كلها.

(و كان العباس بن علي حين أتي حسينا بما عرض عليه عمر بن سعد، قال: ارجع اليهم، فان استطعت أن تؤخرهم الي غدوة و تدفعهم عند العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة، و ندعوه و نستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء والاستغفار) [1] .


غير أن العباس عليه السلام لم يبلغهم بالسبب الحقيقي الذي دعاه لطلب تأجيل القتال تلك الليلة و لم يوصل اليهم نفس رسالة الحسين عليه السلام و أقواله، فاذا ما أحب عليه السلام لنفسه و أصحابه أن يقضوا تلك الليلة في الصلاة و تلاوة الكتاب والدعاء والاستغفار. فربما لن يكون هذا السبب في نظر أعدائه كافيا لتأجيل القتال أو مانعا منه. اذ ما تعني الصلاة و قراءة القرآن والدعاء بنظر أناس يقدمون بتلك السهولة علي قتل امامهم وابن نبيهم صلي الله عليه و آله و سلم وابن وصيه عليه السلام، حتي أن هذا الطلب من الحسين عليه السلام قد يستفزهم عندما يرون منه و من أصحابه اهتماما خاصا بفريضة الصلاة و تلاوة القرآن.. فما عساهم أن يفعلوا هم في تلك الليلة و قد جاءوا للحرب والقتال؟ أتراهم لم يعرفوا الصلاة و لا القرآن و لم يهتموا بهما؟ و قد يلاقي بعضهم الموت كما سيلاقيه الحسين و أصحابه فماذا سيكون موقفهم أمام الحسين عليه السلام و أصحابه أو أمام أنفسهم علي الأقل عندما لن يقضوا الليلة كما سيقضيها هؤلاء،؟! ستكون رغبة الحسين عليه السلام الحقيقية حافزا علي قيامهم بمنعه منها والاصرار علي عدم تأجيل القتال و حسم المسألة واكمال الجريمة في تلك الليلة نفسها، اذ ماذا ستقول الناس عنهم بعد ذلك. هل سيقولون ان الحسين و أصحابه قضوا ليلتهم في الصلاة والدعاء والذكر استعدادا للقاء الله، و قضاها أعداؤهم في اللهو والعبث والسمر والاستعداد والتحضير للجريمة.

و هكذا أقبل العباس عليه السلام يركض اليهم، و هو يعرف من هم، و أنهم أبعد ما يكونون عن الصلاة و عن الاسلام و عن التفكير الحقيقي بالصلاة و معانيها التي لا يعرفها الا أناس كالحسين و أصحابه عليه السلام.


پاورقي

[1] الطبري 315/3.