بازگشت

لا للظالمين لا حاجة لنا في أمانكم أمان الله خير من أمان ابن سمية


و يطالعنا منظر آخر للعباس و اخوته عليه السلام جدير بالاهتمام والتأمل أيضا. فقد حصل لهم عبدالله بن أبي المحل، علي أمان من ابن زياد، و عبدالله هذا هو ابن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب، و عمته أم البنين ابنة حزام بن خالد.

قال لابن زياد قبيل انصرافه الي كربلاء ليلتحق بابن سعد: (أصلح الله الأمير، ان بني أختنا مع الحسين، فان رأيت أن تكتب لهم أمنا فعلت.. قال: نعم، و نعمة عين. فأمر كاتبه، فكتب لهم أمانا) [1] .

و ربما رأي ابن زياد أن تلك كانت فرصة سانحة للتفريق بين الحسين و بين اخوته و أصحابه، فاذا ما تخلي عنه العباس و اخوته - بعد أن يرسل لهم الأمان، فان الآخرين سيتخلون عنه حتما. هكذا فكر ابن زياد. و سره أن يظل الحسين وحيدا و قد يضعف أمام ذلك و يستسلم، و ربما، اذا ما تخلي العباس عن الحسين عليه السلام فانه سيجد نفسه مرغما علي الانضمام لمعسكر يزيد، و سيكون ذلك مكسبا كبيرا لابن زياد، اذ انه سيضفي طابعا من الشرعية علي الحكم الأموي القائم بقيادة يزيد و يعطي المبرر الكافي للتذرع به أمام الأمة معلنا أنه الامام الحقيقي و الخليفة الشرعي و سيضعف ذلك قضية الحسين أمام الأمة و يبرزها علي أنها اعتداء و خروج سافر علي الشرعية المزعومة. و ربما سيرفعون من شأن العباس اذا ما تخلي عن الحسين عليه السلام وانضم اليهم، لكي يرفعوا من شأنهم و يعززوا موقفهم.

لقد كانت تلك فرصة نادرة لابن زياد، و ربما فرح أشد الفرح عندما طلب منه


ابن أبي المحل الأمان للعباس واخوته، فلم يعط الأمان و يأمر بكتابته بدوافع انسانية بحتة كما قد يتصور أحد، و لا بدافع رد الجميل لجنديه الشريف.

غير أن العباس و اخوته فوتوا هذه الفرصة الذهبية علي ابن زياد، وقطعوا أحلامه بشأنها. فعندما أرسل اليهم ابن أبي المحل بهذا الأمان المكتوب، مع مولي له يقال له كزمان و قال لهم هذا: (هذا أمان بعث به خالكم. فقال له الفتية: أقري ء خالنا السلام، و قل له لا حاجة لنا في أمانكم. أمان الله، خير من أمان ابن سمية) [2] .

لم يكونوا خائفين و لا مستسلمين. لم يبد علي أحد منهم شي ء من الخوف أو التردد، و قد غلف الأدب الذي اتسم به ردهم علي ابن أبي المحل، حزم و ثبات و صلابة. اذ ربما كان يرغب حقا في الابقاء علي حياتهم بدافع قرابته لهم. و قد شكروه علي ذلك. غير أنهم أكدوا له بنفس الوقت أنهم ليسوا بحاجة لذلك الأمان من انسان قد يكون هو نفسه بحاجة ماسة اليه. و أنهم لا ينتظرون سوي أمان الله، فذلك هو الأمان الحقيقي.

و كان ردهم القوي صفعة لابن زياد الذي لا بد أنه قد تمني في قرارة نفسه لو استجاب هؤلاء الفتية لخالهم و انحازوا اليه، فقد كان ذلك بنظره مكسبا كبيرا و نصرا محققا.


پاورقي

[1] الطبري 313/3.

[2] المصدر السابق 313/3.