بازگشت

ساقي العطاشي لا أشرب منه قطرة و حسين عطشان


عندما أصدر ابن زياد أوامره لابن سعد ليحول بين الحسين و أصحابه و بين الماء، و لا يذوقوا منه قطرة -، بعث ابن سعد عمرو بن الحجاج علي خمسمائة فارس، فنزلوا علي الشريعة و حالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء و منعوهم أن يستقوا منه، و لم يكتفوا بذلك، بل قام بعضهم مثل عبدالله بن أبي حصين الأزدي بتوجيه كلمات التشفي والسباب الرخيص مؤكدين علي أنهم سيبذلون كل جهدهم الموقف حريا أن يستفز و يضعف أية جماعة أخري لو لم تكن جماعة الحسين عليه السلام بالذات؛ التي كانت تحمتل أن يقوم الأعداء بكل الاجراءات التي من شأنها اضعافها و اجبارها علي الاستسلام خصوصا و أن معسكر الحسين عليه السلام كان يضم أعدادا كبيرة من النساء والأطفال الذين لا صبر لهم علي العطش و الجوع، و كانت تشكل عامل ضغط عليها.


و لما اشتد العطش علي من كان يضمهم معسكر الحسين عليه السلام. (دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه، فبعثه في ثلاثين فارسا، و عشرين راجلا، و بعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتي دنوا من الماء ليلا، واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي: من الرجل؟ فجي ء، فقال: ما جاء بك؟.

قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه.

قال: فاشرب هنيئا.

قال: لا والله، لا أشرب منه قطرة، و حسين عطشان، و من تري من أصحابه، فطلعوا عليه، فقال: لا سبيل الي سقي هؤلاء، انما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.

فلما دنا منه أصحابه، قال لرجاله: املئوا قربكم، فشد الرجالة فملؤوا قربهم، و ثار اليهم عمرو بن الحجاح و أصحابه، فحمل عليهم العباس بن علي، و نافع بن هلال فكفوهم، ثم انصرفوا الي رحالهم. فقالوا: امضوا، و وقفوا دونهم، فعطف عليهم عمرو بن الحجاج و أصحابه و اطردوا قليلا.

و جاء أصحاب الحسين بالقرب فأدخلوها عليه. [1] .

كان تصدي العباس عليه السلام بالعدد القليل الذي كان معه لعمرو بن الحجاج و أصحابه، الذين بلغ عددهم خمسمائة شخص، أمرا مفاجئا لهذا العدد الكبير الذي لم يحسب أن الجرأة ستبلغ بالعباس و صحبه الي حد الهجوم عليهم و انتزاع الماء علي رغمهم. ولعلهم حسبوا أنهم سيواجهون أناسا خائفين مرهقين قد أضناهم العطش و زلزلهم كثرة الجند، و أنهم سيلجأون الي استعطافهم للحصول علي قليل من الماء لأنفسهم. غير أن دهشتهم ازدادت حينما عرضوا عليهم أن يشربوا فرفضوا ذلك - رغم عطشهم المؤكد - و قال العباس لابن الحجاج:

(لا أشرب منه قطره - و حسين عطشان و من تري من أصحابه).


كان موقف العباس و أصحابه عجيبا، مذهلا. فهو من المواقف الانسانية النادرة القليلة التي لا تطالعنا الا في النادر القليل من الأوقات. و أعجب من ذلك قدرتهم علي ادامة المواجهة و قدرتهم علي تخليص قربهم رغم العدد الكبير من أفراد الجيش المعادي و أخذها ال معسكر الحسين.. و ان كانت لم تكفهم بعد ذلك في غمرة الحر الشديد والجو اللاهب.


پاورقي

[1] الطبري 312-311/3 وابن شهر آشوب 97/4 والارشاد 211 و أنساب الأشراف 180/3 و نهاية الارب 428/20 و الخوارزمي 1 ف 11 و مقتل العوالم ص 78 و المجلسي 388-44 والنص الأصلي عن الطبري، و لم ترو الحادثة بالتفصيل في کافة المصادر، و رويت ببعض الاختلافات البسيطة في بعضها.