بازگشت

اداء فريد و استجابة تامة للحق


و لا عجب أن العباس عليه السلام قد تصرف بذلك الأداء الرائع، فهو ابن أميرالمؤمنين عليه السلام؛ وابن من لم يعرف الا الحق و لم يمل الا معه و من لم تأخذه في الله لومة لائم. و لا بد أنه قضي معه فترة من حياته كانت كافية لكي يتخرج من مدرسته و يعتمد أسلوبه في الحياة. لقد عاش معه أدق فترة من حياته، و هي فترة قيامه بالدور القيادي الفعلي للأمة عقب الأحداث الخطيرة التي مرت بها الأمة خلال حكم عثمان و بني أمية. و لا بد أنه وعي أحداثها جيدا، فلم تكن تلك الأحداث عادية، و لم تكن


حياة أميرالمؤمنين عليه السلام هائدة راكدة لا تستثير شابا في مركز العباس و قد اكتسب بعض صفاته الوارثية المشهورة مثل الشجاعة والقوة والثبات والبأس.

كما أن الذي يثير انتباهنا حقا هو تلك الاستجابة المطلقة من اخوته الثلاثة الآخرين لأخويهم كلاهما الحسين و العباس عليه السلام، و تقدمهم للمعركة بنفس الثبات والحماس اللذين أبداهما أخوهم العباس في نصرة أخيه الحسين عليه السلام و قضيته. و لعلهم، في غمرة الأضواء التي سلطت علي أخيهم لما أبداه من بطولة استثنائية و مواقف نادرة في معركة الطف، لم يشر اليهم كما أشير الي أخيهم، و لعلهم لم يتمتعوا بما تمتع به من قوة و بأس بحكم نضجه و سنه و بحكم أعمارهم الغضة التي تصغر عمر أخيهم.

ان تلك الاستجابة لم تكن مقصورة علي العباس و اخوته، بل انها كانت استجابة عامة تميز بها كل من رافق الحسين عليه السلام سواء من آله و أقاربه أو من أصحابه، و هو أمر لابد أن يثير الانتباه حقا، اذ كيف لم يحصل أن تردد أي أحد من ذلك العدد الذي رافقه، بل واصلوا السير معه جميعا الي النهاية مستجيبين له استجابة تامة و مطلقة؟.

و قد برزت هذه الظاهرة العامة بين الشباب والشيوخ من أصحاب الحسين عليه السلام علي السواء. و قد كان هؤلاء أمة مصغرة و لا بد أنهم كانوا طليعة نموذجية للأمة التي أرادت أن تتخلص من عبث الدولة الأموية التي سطت علي المكاسب التي حصلت عليها في ظل الاسلام، فاستخدمت اسمه و شعاراته لسلب كل شي ء منها، حتي ارادتها و وعيها و تصورها الصحيح للاسلام و أردتها ثة هامدة لا نري فيها شبها للأمة الاسلامية الحقيقية التي كان يفترض أنها قد نضجت و وصلت الي مرحلة من التقدم والازدهار والوعي بعد ستين عام من التجربة الاسلامية والحكم الاسلامي لتكون دولة اسلامية محمدية حقا لا دولة أموية يزيدية. و ان شئت فقل فرعونة أو هرقلية كلما مات هرقل جاء هرقل علي حد تعبير أحد الأدباء المعاصرين للدولة نفسها.