بازگشت

ارادوا موت الحسين، وأراد الحسين حياتهم


«اسقوا القوم وارووهم من الماء«:

قبل مغادرة الامام الحسين عليه السلام و ركبه (شراف)، أمر فتيانه فاستقوا من الماء، فأكثروا بشكل غير اعتيادي و بمقادير تفوق احتياجهم بكثير، و لم يسأل أحد الامام عن سر ذلك، الا أن الأمر اتضح فيما بعد، عند (ذي حسم)، فقد أقبلت طليعة ابن زياد (و هم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي اليربوعي، حتي وقف هو و خيله مقابل الحسين في حر الظهيرة، و الحسين و أصحابه معتمون متقلدي أسيافهم.

فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم و ارووهم من الماء، و رشفوا الخيل ترشيفا، فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا. فقام فتية و سقوا القوم من الماء حتي أرووهم، و أقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فاذا عب فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه، و سقوا آخر حتي سقوا الخيل كلها) [1] .

و قد شارك الحسين عليه السلام نفسه بسقي القوم و خيولهم، في لفتة انسانية كريمة


جديرة به حقا. فكيف يحصل أن يقدم قائد مستهدف من قبل عدو شرس شرير علي تقديم شي ء يضمن حياة ذلك العدو و بقائه علي قيد الحياة، مع أنه قد لا يكون طلب ذلك منه. لم ير الحسين عليه السلام أمامه الا رجالا عطاشي و خيولا بحاجة ماسة للماء، فقدم الماء لهم.

ثم كيف حصل أنه أمر فتيانه فاستقوا من الماء تلك الكمية الهائلة التي كفت ألف فارس مع خيولهم..؟ لا بد أنها كرامة من كرامته، و علم من العلم الذي وصل اليه عن أبيه عليه السلام من جده صلي الله عليه و آله و سلم. فمقابلته عدو بتلك السماحة و احسانه اليه و تقديم ما يضمن حياته، ليست أمرا عاديا يقدم عليه متنافسون عاديون علي السلطة والمركز. بل انه أمر جدير بالأنبياء و حملة الرسالات الكبيرة الذين تهمهم حياة و مستقبل كل انسان علي هذه الأرض. و هو أمر لا بد أن يلفت نظر الأمة كلها فيما بعد لتفكر بأمر تلك الثورة العظيمة التي أرادت انقاذها من الانحراف الأموي الكبير.

لقد أمر الحر بملازمة الحسين عليه السلام و تقديمه لابن زياد. أما كيف و لماذا، فهذا أمر لعله لم يجل بباله؛ و لعله لم يفكر بالقضية برمتها بشكل جدي من قبل و لم يتساءل عن الأسباب الحقيقية لقدوم الحسين الي الكوفة.

لقد استمع الي خطبة الحسين عليه السلام الأولي التي تحدث عن رسل و كتب الكوفة اليه و لم يرد عليه كما لم يرد عليه أحد من أصحابه، بل انه صلي مع أصحابه خلف الامام الحسين صلاتي الظهر والعصر. و يبدو أنه لم يكن يعلم بمسألة الكتب التي أرسلها أهل الكوفة اليه. و قد أنكر أمام الحسين عليه السلام علمه بها.


پاورقي

[1] الطبري 305/3 وابن الأثير 279/3. و مروج الذهب 60/3 والارشاد للمفيد ص 223 و البحار 375-44 و أعيان الشيعة 370/20 و مناقب أل أبي‏اطلب 95-4 و أمالي الصدوق 154.