بازگشت

تعرية المجرمين، تعرية للسائرين في ركابهم


كان زهير يريد بذلك الجميع أن يتجاهلوه، ولا ينبهروا بما يتظاهر به من قوة و سطوة ونفوذ، وكان يدرك أنه لن يستطيع الدفاع عن نفسه أمامهم، و ما عساه أن


يقول: هل سيقون أنه أحد حفاظ القرآن الكريم، و هل سيجيبه بآيات منه؟ و هل سيشهد له أحد أنه لم يكن بمثل ما وصفه به زهير؟ أم أنها الحقيقة الواقعة؟ أن غاية ما يستطيع شمر قوله، ان استطاع أن يتكلم بروية و هدوء هو أنه ينفذ أوامر أسياده (ولاة الأمر) المزيفين و هم علي حق، لأنهم ولاة أمر، هكذا زيفت أحكام الاسلام و أقوال القرآن، يزعم ذلك و لا يستطرد بأكثر منه.

كان كشف حقيقة شمر، التي لم تكن خافية علي الجميع، كفيلا باشعار الجميع بالعار، اذ ارتضوا أن يكون القائد الفعلي لهم والناطق والمتحدث باسمهم، فكأنما لم يكونوا، و كأنما لم تكن لهم ألسنة. و هو عار أراد شمر تخليصهم منه و تخفيف وطأته عليهم بجوابه الشامت لزهير، اذ لم يكن لديه ما يقوله غيره. (ان الله قاتلك و صاحبك عن ساعة) [1] .

و كأنه ظن أن زهير عندما يستمع لقوله هذا سينكمش و يخاف و يتلعثم، و كأنه لم يكن موطنا نفسه علي الموت حقا. فأجابه ساخرا:

(أفبالموت تخوفني، فوالله للموت معه أحب الي من الخلد معكم) [2] .

و هو جواب من شأنه أن يلفت أنظار الجميع الي المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه بانحيازهم لدولة الظلم و كونهم جنودا لها. و من شأنه أيضا أن يجعلهم يغيرون مواقفهم لو كانت لهم ارادة الاسلام الحرة الواعية المتبصرة. ولكنهم فقدوا هذه الارادة و استسلموا و ماتوا منذ زمن بعيد و أصبحوا جثثا هامدة بين أيدي جلاديهم و ظالميهم.

و كان الأمر أشد اثارة للحزن من أي شي ء آخر. أحقا أنه لا يوجد من يستمع اليه و يستجيب لكلماته..؟ أحقا أن هؤلاء قد صمموا علي الاسترسال بجريمتهم الي النهاية والمضي الي حد قتل الحسين عليه السلام نفسه، قائدهم و امامهم و ابن قائدهم و امامهم وابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه..؟.

و لو كان لزهير ألف حنجرة لصرخ بها محذرا. الا أنه لم يملك سوي حنجرة واحدة. و قد (أقبل علي الناس رافعا صوته، فقال: عباد الله، لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي و أشباهه، فوالله لا تنال شفاعة محمد صلي الله عليه و آله و سلم قوما هرقوا دماء ذريته و أهل بيته، و قتلوا من نصرهم وذب عن حريمهم) [3] .


كان الأمر مروعا حقا. فهل كان بمستطاع أحد أن يتصور أن الناس يمكن أن يقبلوا بأمثال هذا الجلف الجاهل الغليظ قائدا لهم و ناطقا باسمهم، ليواجهوا به الحسين عليه السلام ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و يتمادوا الي حد الذهاب في الجريمة الي أبعد حد لقتله و قتل أصحابه و كأنهم لم يفعلوا شئيا. و كأن الأمور بذلك كانت طبيعية و اعتيادية.؟ و كأنهم لا يزالوا ينتمون للاسلام حقا؟

لم يكن بمستطاع أحد أن يقول أكثر مما قاله زهير، لقد نصح و أبلغ لو كان ينفع النصح والابلاغ. و لو كان موجها لقوم يعون و يدركون حقيقة ما يقومون به، لا لأموات لا يسمعون و لا يفقهون و لا يعون. كان بمواجهة زهير أناس مهزومون مستسلمون خائفون أذلاء فقدوا ارادتهم تحت وطأة العنف والاضطهاد و الارهاب، لذلك فانه لا جدوي من الكلام معهم.

و هكذا قال له من جاء يدعوه للعودة: (ان أباعبدالله يقول لك: أقبل، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه، و أبلغ في الدعاء، لقد نصحت لهؤلاء و أبلغت، لو نفع النصح والابلاغ) [4] .

كان الحسين عليه السلام يراقب مؤمن آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم و هو ينصح و يبلغ في الدعاء، كما كان مؤمن آل فرعون ينصح و يبلغ في الدعاء. و لقد نصح أبلغ و بذل كل جهد مستطاع غير أنه كان يخاطب أناسا فقدوا شعورهم و حياتهم.


پاورقي

[1] الطبري 320/3 و تراجع المصادر السابقة.

[2] الطبري 320/3 و تراجع المصادر السابقة.

[3] الطبري 320/3 و تراجع المصادر السابقة.

[4] الطبري 320/3 و تراجع المصادر السابقة.