بين موقف المنتصر القوي و موقف المهزوم العاجز
ولم يكن بوسعهم أمام هذا المنطق السديد الا أن يواجهوه بمنطق العاجز الخائف الجبان (فسبوه، و أثنوا علي عبيدالله بن زياد و دعوا له، و قالوا: والله لا نبرح حتي نقتل صاحبك و من معه، أو نبعث به و بأصحابه الي الأمير فصل عبيدالله سلما) [1] .
كان منظرا محزنا حقا.. و كانوا هم أحق الناس بهذا الحزن؛ كانوا مضللين و محذرين و مستسلمين و منساقين خلف ارادة شريرة تعبث بهم و تسوقهم الي مصير مؤلم لا خلاص منه أبدا. و بدا أن ذلك كان يثير حزنه و قلقه الي أبعد حد. و قد صاح فيهم عندما سمع سبابهم و مقالتهم و حرصهم علي تنفيذ أوامر ابن زياد، قائلا:
(عبادالله، ان ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود والنصر من ابن سمية؛ فان لم تنصروهم، فأعيذكم بالله أن تقتلوهم) [2] .
كانوا يستسلمون بسهولة أمام ابن زياد و أعوانه، و كان حالهم هذا يزعج زهيرا الي بعد حد و هو يراهم ينحدرون الي ذلك المدي الذي يجرأون فيه علي اشهار سيوفهم بوجه ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و آله و أصحابه ليقتلوهم، لا لشي ء، الا لأنهم أرادوا انقاذهم من الانحراف و من دلة الظلم والعسف والجور.
كان الموقف دقيقا بالغ الحرج، و مواجهة زهير لا يجرؤ عليها الا من فقد الحياء والضمير. و ما كان الا شمر و أشباهه جديرين بذلك. فباب السباب والشماتة والكذب والافتراء مفتوح علي مصراعيه أمام أمثال هؤلاء.
پاورقي
[1] المصادر السابقة، و قد ذکر بعضها کالطبري في نهاية کلمة زهير الأخرة قولا نسبوه اليه و هنو: (فخلوا بين الرجل و بين ابنعمه يزيد بن معاوية، فلعمري أن يزيد يرضي من طاعتکم بدون قتل الحسين..) الطبري 320/3 و متي ما علمنا أن مصدر الرواية کثير بن عبدالله الشعبي أحد أعوان ابنزياد والمقربين منه أدرکنا أنه أضاف هذه الکلمات من عنده عندما وجده نفسه يروي هذه الرواية فيما بعد لأن معرفتنا بواقع حال زهير تؤکد لنا أنه لم يتفوه بها أصلا.. و قد شهدنا حالات مماثلة افتري فيها علي الحسين عليهمالسلام نفسه بمثل هذه الأقوال و کان مصدرها ابنسعد و أضرابه.. و قد فندناها في فصل سابق.
[2] المصدر السابق.