بازگشت

الليلة الأخيرة


«.. لوددت أني قتلت ثم نشرت. حتي أقتل فيك هكذا ألف مرة. و أن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك«

و في تلك اليلة نفسها، ليلة المنازلة الكبيرة، كان للحسين عليه السلام موقف آخر مع أصحابه عليه السلام، موقف مشحون بعاطفة الاسلام النبيلة و صدق المبادي ء العظيمة. و كأنه كان يريد فيه تسجيل ثبات أصحابه علي الحق و صمودهم بوجه الباطل، لتظل صورة ذلك اللقاء ماثلة في أذهان كل أبناء الأمة الي الأبد، و تظل شاهدة علي عجز و تخاذل كل أولئك الذين أحنوا رؤوسهم للظلم والانحراف و لم يجدوا في أنفسهم الجرأة علي مواجهته و مقاومته.

جمعهم مرة أخري قرب المساء و قال لهم: (أثني علي الله تبارك و تعالي أحسن الثناء، و أحمده علي السراء والضراء. اللهم اني أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوة، و علمتنا القرآن، و فقهتنا في الدين، و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة، و لم تجعلنا من المشركين.

أما بعد، فاني لا أعلم أصحابا أولي و لا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر و لا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا خيرا. ألا و أني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غدا. الا و أني قد رأيت لكم، فانطلقوا جميعا في حل، ليس عليكم مني


ذمام، هذا ليل قد غشيكم، فاتخذوه جملا. ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي. تفرقوا في سوادكم و مدائنكم حتي يفرج الله، فان القوم انما يطلبوني، و لو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري). [1] .

كانوا الي تلك اللحظة قد أدوا دورهم و أثبتوا ولاءهم للحسين عليه السلام ممثل الاسلام الحقيقي و قائد الأمة الشرعي. و قد شهد هو نفسه لهم بذلك و وصفهم بأنهم خيرة أبناء الأمة. و لم يكن من المتوقع أن يتخلوا عنه و ينهوا مسيرتهم بذلك الشكل المفجع.

غير أن الامام عليه السلام أراد وضعهم امام الموقف النهائي الصعب، حيث سيواجهون الموت جميعا. فالاستعدادات الأخيرة لاستقباله لابد أن تبدأ منذ الآن ان لم تكن قد بدأت فعلا. والعزيمة الصادقة لابد أن تواجه أفراد الجيش المتعطش لقتالهم، و تتغلب علي مخاوف و خور أفراده الذين استسلموا لابن زياد فاندفعوا لتنفيذ جرائمه والتصدي لقائد الأمة الحقيقي و قتله و قتل من يلتف حوله و يشاركه مسيرته.

أما هم فكانوا مستعدين منذ البداية لاستقبال كل الاحتمالات و مواجهة كل المخاطر. و لم يلمس من أحدهم أي خوف أو تردد أو استعداد للتراجع. و هكذا جاءت أجوبتهم للامام عليه السلام حاسمه و واضحه.

(و لم نفعل ذلك؟ لنبقي بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبدا) [2] .

و في هذا الموقف برز جواب زهير بن القين واضحا معبرا؛ قال:

(والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت، ثم نشرت، حتي أقتل فيك هكذا ألف مرة، و أن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك و عن أنفس هؤلاء الفتية من اخوانك و ولدك و أهل بيتك) [3] و أضاف بذلك موقفا مشرفا آخر الي سلسلة مواقفه المشرفة العديدة المتلاحقة.

و تتابعت اثر ذلك أجوبة أصحاب الحسين بكلام واحد و وجه واحد، فقالوا:


(والله لا نفارقك، ولكن أنفسنا لك الفداء، نقيك بأيدينا، و نحورنا و جباهنا، فاذا نحن قتلنا بين يديك، نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا فجزاهم الحسين خيرا) [4] .

و قد قتلوا بعد ذلك بين يديه و وفوا لربهم و قضوا ما عليهم.

و في تلك الليلة التي قتلوا في صبيحتها، بات الحسين و أصحابه و أهل بيته، و لهم دوي كدوي النحل، ما بين قائم و قاعد و راكع و ساجد. [5] .


پاورقي

[1] الطبري 315/3 وابن طاووس 38 وابن الأثير 285/3 والخوارزمي 1 ف 11 والارشاد 210 و أمالي الصدوق م 30 و جمهرة خطب العرب / 2 ص 41 والمجلسي 492/44 وابن شهر آشوب 99/4 و أنساب الأشراف 185/3 والنويري 435/20 مع بعض الاختلافات البسيطة.

[2] والمصادر السابقة.

[3] المصادر السابقة.

[4] المصادر السابقة.

[5] اللهوف لابن طاووس ص 40.