بازگشت

عشية المعركة ذكرت به رسول الله فرأيت أن أنصره و أن أكون في حزبه


و عندما حاول ابن سعد مبادأة الحسين عليه السلام بالقتال عصر التاسع من المحرم، بناء علي الأوامر الصارمة التي تلقاها من ابن زياد، حاول الحسين عليه السلام تأخيرهم الي غدوه. و دفعهم عنه تلك العشية. و قد أرسل أخاه العباس عليه السلام في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر لمفاوضة ابن سعد و أعوانه قائلا له: (ارجع اليهم، فان استطعت أن تؤخرهم الي غدوه، و تدفعهم عنا هذه العشية، لعلنا


نصلي لربنا و ندعوه و نستغفره، فهو يعلم أني أحب الصلاة و تلاوة كتابه و كثرة الدعاء والاستغفار) [1] .

و كان العباس عليه السلام قد سألهم في بداية اللقاء عن الدوافع التي دعتهم لذلك الاستعداد المفاجي ء للقتال، و ماذا يريدون من ذلك، و عندما أخبروه أنهم تلقوا أوامر ابن زياد ليعرضوا علي الامام و أصحابه النزول علي حكمه أو يناجزوهم، رجع العباس عليه السلام بالخبر الي الحسين عليه السلام، فأوصاه وصيته التي ذكرناها الآن.

و في الفترة التي استغرقها ذهاب العباس و ايابه، حاول حبيب بن مظاهر و زهير استغلال الوقت لاقناع ابن سعد و أعوانه بالتخلي عن فكرة مقاتلة الحسين عليه السلام (فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلم القوم ان شئت، و ان شئت كلمتهم، فقال له زهير: أنت بدأت بهذا، فكن أنت تكلمهم) [2] و كان ذلك أدبا جما من كليهما.. من حبيب و قد علم مكانة زهير و حرصه علي نصرة الحسين عليه السلام فأراد أن يكون هو البادي ء بالكلام، و من زهير وقد علم منزلة حبيب أيضا. و لأنه صاحب الفكرة، فانه أراد أن يتيح له فرصة الحديث قبل الجميع. (فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما والله، لبئس القوم عندالله غدا قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام، و عترته و أهل بيته صلي الله عليه وآله وسلم و عباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار، والذاكرين الله كثيرا) [3] .

و قد حاول أحد عوان ابن زياد المرافقين لعمر بن سعد مقاطعة حبيب بقول أراد فيه افحامه ولكي لا يتيح له فرصة الاسترسال بخطابه المؤثر والمنطقي، فقال له:

(انك لتزكي نفسك ما استطعت) [4] .

و هنا انبري له زهير بخطاب مقنع آخر، ولكي يفوت عليه فرصة التفوه بكلمات مضللة أخري قائلا له: (يا عزرة، أن الله قد زكاها و هداها. فاتق الله يا عزرة، فاني لك من الناصحين، أنشدك الله يا عزرة أن لا تكون ممن يعين الضلال علي قتل النفوس الزكية) [5] .


لم يخف زهير علي نفسه الموت، و انما أراد تجنيب أعدائه أمر التورط بسفك دماء آل البيت. و قد اندفع بكل ما يملأ نفسه من ايمان و شعور بالمسؤولية ليردهم عن السير وراء الضلال لتنفيذ مآربهم و جرائمهم و قتل النفوس الزكية، نفوس الحسين عليه السلام و آله و أصحابه.

و كان حريا بهذا الكلام أن يقنع عزره ليتراجع عن موقفه، فلا يلعب دور المحرض علي الحسين و أصحابه عن يقين و وعي بما يفعل الا أن عزرة بدا أنه يريد تسجيل موقف يزيد من رصيده لدي أسياده و يرفع من قيمته في نظرهم و يظهره بمظهر المنحاز القانع بكل ما يفعله أولئك الأسياد.

و قد رد علي زهير - يريد افحامه أيضا بقوله: (يا زهير، ما كانت عندنا من شيعة أهل هذا البيت، انما كنت عثمانيا) [6] و كأنما رأي أن رده هذا كان كفيلا باسكات زهير، و أنه سيفوت عليه الفرصة لاقناع الاخرين بما اقتنع به هو، و لم يحسب أنه قد أدان نفسه بجوابه ذاك، و أعطي زهيرا فرصة جديدة، لالقاء حجة جديدة دامغة لن يستطيع لها ردا أو دفعا.

قال له زهير: (أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم، أما والله ما كتبت اليه كتابا قط، و لا أرسلت اليه رسولا قط، و لا وعدته نصرتي قط. ولكن الطريق جمع بيني و بينه. فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و مكانه منه، و عرفت ما يقدم عليه من عدوه و حزبكم، فرأيت أن أنصره، و أن أكون في حزبه، و أن أجعل نفسي دون نفسه، حفظا لما ضيعتم من حق الله و حق رسوله عليه السلام) [7] .


پاورقي

[1] الطبري 315/3 و البلاذري 185/3 والنويري 433/20 واللهوف 38 وابن شهر آشوب 98/4 و أعيان الشيعة ج 4 ق 1 ص 208 و ابن الأثير 285/3.

[2] الطبري 314/3 و ابن الأثر حوادث سنة 61 والبلاذري 184/3.

[3] الطبري 314/3 وابن الأثر حوادث سنة 61 والبلاذري 184/3.

[4] الطبري 314/3 و ابن الأثر حوادث سنة 61 والبلاذري 184/3.

[5] الطبري 314/3 و ابن الأثر حوادث سنة 61 والبلاذري 184/3.

[6] المصادر السابقة.

[7] المصادر السابقة.