بازگشت

حوار و مناجاة ألا ترون الي الحق لا يعمل به و لا الباطل لا يتناهي عنه


كان حديث الحسين عليه السلام مع أصحابه يجري في جو من العلاقة الحميمة الصادقة. و كان يمتاز بذلك الوضوح الذي لا يري الا عند ذوي البصيرة والاحساس القوي و الشعور بالمسؤولية. و كانت كلماته ألما كبيرا يبثه أصحابه و أنصاره، و قد أصبحوا قريبين من لحظة المواجهة النهائية، و لم يكن أحد أقدر منهم علي فهم كلمات الحسين و استيعابها. قال لهم: بعد أن حمد الله و أثني عليه.

(أما بعد، فانه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون، و ان الدنيا قد تغيرت و تنكرت، و أدبر معروفها، و استمرت حذاء، و لم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء، و خسيس عيش كالمرعي الوبيل. ألا ترون الي الحق لا يعمل به، و الي الباطل لا يتناهي عنه،


ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا. فاني لا أري الموت الا سعادة، والحياة الا برما) [1] .

و ما دام الحال غير الحال والدنيا قد تغيرت. و لم تعد هي الدنيا التي أرادها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم للناس، و ما دام الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهي عنه في ظل الظالمين والمنحرفين والطغاة فما مبرر بقاء المؤمن في ظل هؤلاء الظالمين، و كيف يسكت.؟.

أليحافظ علي سنوات من العمر يراها جديرة بأن يسكت عن كل شي ء حتي و ان عاش ذليلا في ظل فرعون متجبر؟ ألا يكون الموت حينئذ سعادة حقا؟ الموت و نحن نواجه الظلم و نتحداه، لا الموت و نحن نتحاشاه و نهرب منه.

كلمات الحسين عليه السلام المباشرة الواضحة والقليلة. كانت كافية جدا. فلم يكن أنصاره بحاجة للمزيد منها لكي يستمروا ثابتين علي موقفهم. فهم قد فهموا كل شي ء منذ البداية و عزموا أمرهم و اتخذوا قرارهم.

لم يشأ زهير الا أن يعقب علي كلمة الامام القصيرة بكلمة كانت أقصر منها، الا أنها كانت مشحونة أيضا بعاطفة و شعور جياش تجاه الاسلام و الأمة والامام. عاطفة و شعور لم يتاحا الا للرساليين من أبناء الأمة الذين تهمهم مصالحها و تؤذيهم آلامها و متاعبها.


پاورقي

[1] الطبري 307/3 وابن عساکر / الجزء الخاص بريحانة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم 214 و ذخائر العقبي / محب‏الدين الطبري 149 والخوارزمي 5/2 واللهوف ص 33 و تاريخ الاسلام للذهبي 345-2 و حلية الأولياء لأبي نعيم 39/2 و مجمع الزوائد للهيثمي 192-9 والعقد الفريد 380/4 والاتحاف 380/4.