بازگشت

موقف أنصار الحسين سيبقي في ضمير الأمة الي الأبد


كان أنصار الحسين عليه السلام قريبين منه قربا كافيا يتيح لهم معرفة خططه و نواياه و مواقفه، و يعلمون أنه كان مقتولا حتما في تلك المواجهة مع دولة الظلم الأموية بزعامة يزيد، و أنهم ربما قتلوا معه. و ما كان يشير عليه الكثيرون من الناس بضرورة التراجع و تجنب المواجهة، لم يكن يجري بشكل سري بينه و بين (الناصحين) (والمشفقين) والمخذلين، و لا بد أن أنصاره سمعوا هم أيضا تلك التحذيرات الشديدة.. و مع ذلك استمروا معه، و ثبتوا معه الي آخر لحظة واستشهدوا بين يديه.

فهل كان أحد يحسب حقا أنهم يمكن أن يتراجعوا في اللحظات الأخيرة التي حسبوا فيها أنهم سوف يجنون ثمار أقدامهم و صمودهم و ثباتهم.؟ و انهم سيهربون أو يستسلمون أو يتخلون عن الحسين عليه السلام.؟.

و هل كان الحسين عليه السلام يتوقع منهم أن يتراجعوا كما تراجع الأعراب الطامعون بالمغانم و المكاسب الذين التحقوا به في الطريق و انفرط عقدهم عنه في الطريق أيضا.؟.

بالتأكيد لم يكن الامام يتوقع منهم ذلك، بل كان يتوقع ذلك التصميم و ذلك الثبات، غير أنه كان يريد ابلاغ أصواتهم للأمة المستسلمة المشلولة الضعيفة، و أن يسمعوها بأنفسهم؛ تلك الأصوات الواضحة القوية و يعلنوا لها أن وقفتهم لم تكن بدافع العصبية والحماس الطاري ء، و انما كانت نتيجة لحاجة ماسة لا يقاف الانحراف و ايقاظ الأمة و تنبيهها الي مهماتها العديدة التي عليها أن تقوم بها في ظل القيادة الشرعية الصحيحة، لا في ظل الطواغيت والفراعنة والمتجبرين.

و لقد أثبتوا خلال فصول المعركة و تصديهم الجري ء لجيش ابن زياد أنهم كانوا بمستوي المهمة التي انتدبوا أنفسهم لها، و قد قاموا بها خير قيام. لم يهنوا أو ينكلوا أو يتراجعوا أو يتلعثموا سواء في معرض المواجهة العسكرية أو معرض القاء الحجج والنصح والارشاد و تقريع و تأنيب الجيش الذي نصب نفسه عدوا للحسين عليه السلام والاسلام، رغم قلة عددهم و موقفهم العسكري التعبوي الضعيف.

ينبغي أن يظل موقف أنصار الحسين موضع دراسة و تأمل عميقين من قبل أبناء الأمة كلها، فكيف حصل أن تصدوا هم دون غيرهم لمنع الانحراف و ايقافه،


و اختاروا الوقوف الي جانب الحسين عليه السلام؟ و ما هي درجة الوعي والشعور بالمسؤولية التي امتلكوها فجعلتهم يقفون ذلك الموقف مع أن شرائح أخري من أبناء الأمة كان من المفروض بحكم صحبة بعضها لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و فهمها و موقعها الاجتماعي و سوابقها و ادراكها طبيعة الأحداث و مجريات الأمور قد تخلت عن مسؤولياتها و آثر قسم كبير منها الوقوف موقف المتفرج والقسم الآخر الانحياز الي النظام الحاكم..؟.

كان أنصار الحسين عليه السلام حالة نادرة في ظل أوضاع شاذة غير طبيعية لأنهم لو نشأوا في ظل أوضاع صحيحة سليمة و في ظل القيادة الشرعية للمسلمين، لما كانوا بتلك القلة، و لتشعبت مهماتهم الرسالية والتربوية ولاتخذت سبلا فعالة أخري لتوعية الناس و ارشادهم للاسلام، و لوجدوا من القيادة المبدئية الواعية سندا لهم، و لكانوا امتدادا لها بحكم وعيهم وحبهم للاسلام. غير أن القيادة المنحرفة المضللة أظهرتهم و كأنهم استثناء شاذ لحالة طبيعية عامة قبلت هذه القيادة و ارتضتها بديلا طبيعيا لقيادة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم نفسه. بعد أن روضت الناس و استدرجتهم الي شراكها و أخضعتهم لتقبل الأمر الواقع المتمثل بوجودها و حكمها الشاذ.