بازگشت

البدريون موجودون في كل ساحات الصراع لقد شهدنا في عسكرنا


لم يكن أمرا غير ممكن أن تتحقق حالة البدريين و تتكرر لدي أشخاص آخرين، مهما بعدت الشقة وطال العهد، و لم يكن من غير الممكن أن نجد أناسا متفانين متفاعلين مع الاسلام، يقدمون علي التضحية بحياتهم و بأعز ما يملكون ان استدعي الأمر ذلك، و حقق ذلك في النهاية مصلحة الاسلام و نصره و ارتفاعه.

لقد أقدم أصحاب الحسين بنفس تلك القوة والعزيمة التي أقدم بها البدريون لمنازلة أعدائهم. و ربما تفوقوا عليهم لأنهم أدركوا أن نهايتهم جميعا ستكون الموت المؤكد، بينما وعد البدريون بالنصر و لم يوعدوا جميعا بالشهادة. و من الملفت للنظر حقا أن نجد أن أحدا منهم لم يتراجع أو يتخاذل طيلة الفترة التي أمضوها و هم يتجهون الي موقع المعركة والمنازلة و في أثنائها فيما بعد. و كانوا يبدون أنهم فهموا المهمة التي أرادوا الاضطلاع بها بدرجة من الوضوح بدت و كأنها تقترب من تلك التي فهمها به الامام عليه السلام. غير أن الأئمة (عقلوا الدين عقل و غاية و رعاية لا عقل سماع و رواية، فان رواة العلم كثير و رعاته قليل) [1] علي حد تعبير أميرالمؤمنين عليه السلام، فكان فهم الأئمة استثنائيا لا يتعلق بالأهداف المنظورة التي يراها الآخرون و حسب، و انما قد تكون لأعمالهم أهدافا غير معروفة، أدركوها و علموها عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و علمها صلي الله عليه و آله و سلم عن جبرئيل عليه السلام.

و كان أداء أصحاب الحسين عليه السلام في المعركة ممكنا لكل المسلمين الآخرين كذلك؛ فهم ليسوا قوة متميزة من البشر، كما لم يكن من سبقوهم قوة متميزة من البشر حضت بقدرات استثنائية لايسع غيرهم الاختصاص بها. وانما هم بشر من عامة


البشر امتلكوا نفس القدرات والنوازع والغرائز؛ غير أنهم أدركوا و فهموا ما لم يدركه و يفهمه الآخرون. و امتلكوا من القوة والفهم ما جعلهم بمستوي الرسالة التي حملوها، فأصبحوا من الرموز الكبيرة للأمة كلها بمحاولتهم الارتفاع الي تلك السالة و التضحية من أجلها.

انهم اعتقدوا أن الاسلام لم ينزل عبثا هكذا وللاشي ء، و تيقنوا أن لا أحد من البشر ينبغي له الاستهانة بقيمه أو العبث بها، و أدركوا أن أية محاولة من هذا النوع يجب أن تصد بحزم و يردع أصحابها بقوة لئلا تكرر حالات الانتهاك والخرق والخروج المتعمد عن الاسلام فيما بعد.

و اذا كان أي شخص لا يستطيع بلوغ القوة التي بلغها الامام والفهم الذي تمتع به و صحة التصور والاعتقاد، والأداء الذي تميزت به كل جوانب سلوكه، فان أي شخص بوسعه أن يبلغ ما بلغه أصحابه الأقوياء الذين أخذوا علي عواتقهم النهوض بما عجزت عنه الأمة كلها، و أنجزوا مهمتهم بكل نجاح و أوصلوا أصواتهم و احتجاجاتهم العملية ضد الانحراف الي كل الأسماع، و جعلوا الأمة الضعيفة المضامة التي أريد لها أن تموت و تندثر تعيد النظر بمواقفها و أوضاعها و تحاول التخلص من حالة الاستسلام والضعف والجمود والشلل.

لقد ظل أولئك الثوار ماثلين في أذهان الأمة، يمثلون علامة فارقة و علامة احتجاج دائمية علي الظلم والانحراف أمام النائمين والمتخاذلين والمتكاسلين و أمام الذين تخلوا عن أي شعور بالمسؤولية و رفضوا القيام بأي دور ايجابي يفرضه عليهم فهمهم لدينهم القويم و رسالته الشاملة، و ظلوا شجرة نامية مثمرة تطلع علينا بعطائها المتجدد و تنشر علينا ظل أغصانها و أوراقها، و ظلوا نموذجا شاخصا لعشرات الملايين من المسلمين، رعف و سيرعف بهم الزمان و يقوي بهم الايمان، كما عبر عن ذلك أميرالمؤمنين عليه السلام، حينما أظفره الله بأصحاب الجمل، و قد قال له بعض أصحابه: (وددت أن فلانا أخي كان شاهدنا ليري ما نصرك الله به علي أعدائك. فقال عليه السلام: أهوي أخيك معنا؟ فقال: نعم.

قال: فقد شهدنا، و لقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال و أرحام النساء، سيرعف بهم الزمان ويقوي بهم الايمان) [2] .


ان أميرالمؤمنين عليه السلام يجد أن موقفه هذا لمواجهة الخارجين عليه و علي الاسلام والذين كانوا يمهدون لالباس الانحراف ثوبا شرعيا، لا بد أن يقيم من قبل كل جماهير المسلمين بعد أن يفهموه و يفهموا عدوه جيدا، و لا بد أنهم سينحازون الي جانبه و يتمنون لو أنهم كانوا معه و الي جانبه و سيتيح لهم موقفه فرصة الوقوف بوجه الانحراف والخروج المتعمد عن الاسلام و سيخوضون معارك عديدة ضد المنحرفين و أعداء الاسلام.

ان وحدة الموقف والانتماء الحقيقي للاسلام سيكون طابعهم الموحد دائما، و سيكون كل من وقف في بدر أو الجمل أو صفين أو الطف أو في كل معركة لاحقة من معارك الاسلام، ما داموا قد أرادوا نصرته والدفاع عنه و اعلاء شأنه، في موقف واحد و في ساحة واحدة. و سيكون من شهد واحدة من هذا المعارك، كمن شهدها جميعا.


پاورقي

[1] نهج البلاغة 509.

[2] نهج‏البلاغة ص 98.