بازگشت

بدر أول معركة بوجه الشرك و استجابة تامة لله و رسوله


واجه أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في بدر قريشا حينما أقبلت بخيلائها و فخرها تحاد الله و تكذب رسوله. و قد وقف أولئك الصحابة الكرام وقفة العزيمة والبسالة بوجه من فاقوهم عدة و عددا، و صوت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: (والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل، فيقتل صابرا محتسبا مقبلا، غير مدبر الا أدخله الله الجنة) [1] .

يتردد في أسمائهم، و ذكر الله يملأ قلوبهم. و قد قتل منهم (أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين، و ثمانية من الأنصار) [2] ، و قتلوا من قريش أضعاف عددهم.

لقد بدا واضحا للمسلمين كلهم فيما بعد، أن أصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قد انتصروا في بدر، أحياءهم و قتلاهم، اذ كانوا متيقنين واثقين بوعد الله و رسوله لهم بالجنة؛ فهم لم يقاتلوا و يقتلوا الا في سبيل الله و لوجهه الكريم فقط.

كانت أول معركة حقيقية خاضها المسلمون بوجه الشرك والاستغلال والظلم، و بوجوه طغاة قريش و عتاتها و فجارها و كان مقياس النصر لأولئك الذين اندفعوا لخوضها من المسلمين، أنهم حسبوا أنفسهم فائزين في حالتي التغلب علي العدو والانتصار عليه في ساحة المعركة أو الشهادة؛ فلم يكن الموت نهاية مأساوية، و خسارة أبدية لحياة انقضت و انقطعت، و انما كان بداية لحياة دائمية في جنان الخلد.

بهذه العقلية و هذا التصور خاض المسلمون الأوائل معاركهم كلها بقيادة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و توجيه منه و رموا أنفسهم للموت دون خوف أو تردد. للدفاع عن الاسلام و نشره في ربوع الجزيرة العربية ثم في العالم كله فيما بعد و كان ذلك الطراز من المعارف مبعثا لفخر المسلمين جميعهم في كل العصور، حتي ود كثيرون منهم لو أنهم


عاصروها و شاركوا فيها و قتلوا عدوهم أو قتلوا هم. و لعل ذلك بدا لهم حلما من أجمل الأحلام أو أمنية من أجمل الأمنيات.

فما الذي تغير في تلك المدة القصيرة الواقعة بين معركتي بدر والطف، حتي تجعل المسلمين يفقدون القدرة علي الدفاع عن الاسلام والانتصار له، و لا يتقدمون بتلك الروح و تلك العقلية الرسالية التي حملوها زمن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و تقدموا بها لخوض معركة بدر، و لا يجدون في أنفسهم الجرأة علي المشاركة بمعركة الحسين في الطف.؟.

هل تغير الاسلام.؟.

أم تغيرت الطبائع البشرية والنزعات والغرائز والدوافع الانسانية.؟.

و هل أن أولئك الرجال الأوائل كانوا نماذج غير ممكنة التكرار أبدا؟.

لماذا لا نستغرب أو نصاب بالدهشة و يصبح لدينا أمرا منطقيا و مقبولا تقدم أصحاب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بتلك العزيمة والشجاعة النادرة النابعة عن اليقين الثابت بالله والوعي الأكيد برسالته، و نستغرب أو نندهش عندما يتكرر الأمر، في موقف آخر بعد ذلك و مع رجال يمتلكون نفس اليقين والوعي. مع أنه لم يمض سوي حوالي نصف قرن يفصل بين الموقفين؟.


پاورقي

[1] الطبري 33/2 و ابن‏الأثير 23/2 و ابن هشام السيرة النبوية 627/2.

[2] المصادر السابقة.