بازگشت

لا تذكر الجريمة الا و يذكر المجرم...


ابن زياد في الذاكرة لقد لفتت جريمة ابن زياد الكبيرة بحق المسلمين - عندما أقدم بتلك الطريقة المروعة علي قتل الحسين عليه السلام و أصحابه في كربلاء - الانظار اليها علي الدوام؛ لا في وقت وقوع الحدث و حسب و انما طوال الفترة الممتدة من حدوثه و الي يومنا هذا، لعدة أسباب منها:

1 - ضخامة الجريمة التي استهدف بها آل الرسول صلي الله عليه وآله وسلم خاصة و في مقدمتهم وصيه و خليفته الشرعي علي الأمة، الامام الحسين عليه السلام، الذي رفض التنازل عن دوره في لفت نظر الأمة الي الانحراف الكبير و المتسارع الذي كانت تشهده في ظل الدولة الأموية، رغم العنف الذي كان يأخذ به الأمويون أعداءهم عادة، و رغم العروض و الاغراءات و التحذيرات الموجهة له طوال ما يقارب عقد من الزمن، تركزت و ازدادت بعد هلاك معاوية و استخلاف يزيد.

و رغم أن الأمة قد تخلت ظاهريا عن قيادة آل البيت عليهم السلام، الا أنها كانت تدرك أنهم كانا وحدهم الكفيلين بتصحيح الأوضاع و اعاداتها الي مجراها الطبيعي و كانت تعتقد أنهم الأمل الأخير المتبقي لانجاز هذه المهمة، غير أن الأمة في الوقت الذي كانت تتمني ذلك، كانت تتمني أن يتم الأمر بارادة عليا و بفعل آخر غير ارادتها و فعلها هي، و ربما كانت تتطلع الي معجزة تعيدها الي أحضان الاسلام أو تعيد الاسلام كما كان في العهد الأول لحكومة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

كان القضاء علي هذا الأمل، عبر قتل الامام الحسين عليه السلام، و هو سليل الرسالة و وصي الرسول صلي الله عليه وآله وسلم دون شك في ذلك، يعني القضاء علي كل الآمال المتبقية، و يعني الاستسلام النهائي لدولة الانحراف و الظلم التي بدت في أعقاب تنفيذ جريمتها قوية مزدهرة، و هذا ما أشاع اليأس بشكل نهائي، و جعل الأمة تسقط في أحضان النظريات و الافكار الاستسلامية كنظرية الجبر و القدر و اطاعة ولي الأمر و ان كان فاسقا هذه الأفكار و جدت رواجا كبيرا في غياب التصور الاسلامي الصحيح، و في وجود منظرين و فقهاء و محدثين و مفسرين نسبوا ذلك الي الاسلام و الي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، مما أوجد حالة من التخبط و الضياع لا تزال تعاني منها الأمة حتي اليوم.

2- الاداء المروع للجريمة، و طبيعة القائم بها و المفذ لها ابن زياد - و زبانيته من رجال الكوفة و أشرافها.


و رغم أن السلطة الحاكمة حاولت التخفيف من الحدث برمته، و أبرزته علي أنه كان من الأحداث العادية المتكررة التي تحصل عادة، فان أداء الجريمة و الطريقة الوحشية التي نفذت بها جعل الجميع يتنصلون من تبعاتها في النهاية بعد أن لمسوا الغضب الواسع و المستنكر بشأنها، و حاول كل فرد من منفذيها ابتداء من رأس الدولة يزيد و ابن زياد و ابن سعد و حتي أصغر جندي اشترك فيها، القاء التبعات علي غيره و ايجاد مبررات معقولة للقيام بها.

كانت لمسة زياد الوحشية تظهر فيها، و كان، ابنه عبيدالله الذي أشبهه من بين كل من وطي ء الحصي - علي حد تعبيره - قد ترك الأمة تعيش حالة فجيعة دائمية، و جعل كل فرد من الأمة يشعر بأنه هو المستهدف المباشر بهذه الجريمة، و قد فتحت تبريزات الجريمة المبتكرة الباب علي مصراعيه دائما أول دول الظلم المتشابهة لجرائم مماثلة، و قد أخذ الحكام يرفعون نفس المبررات و المزاعم و النظريات التي رفعتها دولة الظلم الأموية الأولي، لكي تفرض سلطانها و هيمنتها و انحرافها بمبررات جاهزة جعلت الدفاع عنها و تبنيها غاية كبيرة لها.

و رغم ما كانو يبدو من النجاح الظاهري الذي تحققه هذه الدول لبسط سلطانها و نفوذها و رغم ما كانت تبدو عليه من قوة، فان الهواجس و المخاوف الحقيقية تظل تساورها من ردود الفعل الغاصبة المتوقعة من جماهير الأمة المسلمة كل حين.

و قد برزت ردود الفعل تلك في ثوارت متكررة كات تستلهم من معطيات تلك الثورة الأولي، و كان الثوار يرون أنهم مهما قدموا من تضحيات فان تضحياتهم لن تصل الي مستوي تلك التي قدمها الامام عليه السلام و أصحابه.

و قد جرت محاولات محمومة لطمس ثورة الحسين عليه السلام و التعتيم علي مشاهدها و أحداثها بحجة أنها أحداث فوظي و لا داعي بتحدي ذكراها، لأن ذلك من شأنه أن يجلب المزيد من الحزن و الكراهية و البغضاء بين المسلمين، بينما المسلمون بحاجة للتفاهم و السلام و الوئام، و هي حجج واهية، لأن من شأن مناقشة أحداث التاريخ و النظر الي مسبباتها و دوافعها و الأشخاص المؤثرة فيها، أن يضعنا أمام تقييم جدي الأشخاص و الاحداث علي السواء، و يتيح لنا رسم منهج جديد في التعامل و الحياة مبني علي المصدر الصحيح الأول، حكومة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نفسه لا حكومة معاوية و يزيد التي كانت ولادة طبيعية للانحراف و لم تكن ولادة شرعية لتلك الحكومة الأولي.


مضي كل شي ء الآن و انقضي، ذهب الحسين عليه السلام و ذهب يزيد و ابن زياد و ابن سعد و أشراف الكوفة و جنودها، و بقي الحدث الكبير، فكيف نقيم موقفنا منه، هل علي ضوء أهمية الأشخاص؟ فمن المهم منهم هنا ان لم يكن الحسين عليه السلام نفسه؟ أم علي عدالة القضية؟ فقضية من هي العادلة و الصحيحة؟

هذا ما ينبغي أن نتعرف عليه، رغم أنه واضح للعدين منا.

لقد أريد منا أن نردد مقولات متهربة انهزامية تبعدنا عن واقعنا الاسلامي الذي ينغبي علنيا أن نعيشه، حتي و ان امتد بعيدا عنا في الماضي و ان نقول كما قال البعض عن (الصحابة): أولئك أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم اجتهدوا و اختلفوا و تقاتلوا و كلهم علي حق، أو أن من كان علي حق منهم كان له أجران و أن من كان علي باطل كان له أجر، و تعلق المسألة برمتها، و كأن كل من عاش عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم هو من صحابته، و كأن كل من صحبة كان مجردا من النزوات و الرغبات و الامنيات و الطموحات الشخصية و غير قابل للخطأ و كأن كل ما كانوا يقومون به نابع عن اجتهاداتهم و مساعيهم و جهودهم لفهم الرسالة و الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.

هكذا و نغلق السجل، و نبدأ صفحة جديدة و سجلا جديدا.

أما كيف تكون البداية الجديدة و علي أي أساس، فهذا لا يهم ما دامت نوايانا مخلصة هكذا، و لا تميل الي أحد..!.

و كما أريد لتلك الصفحات الأولي أن تطوي دون تمحيص أو مناقشة أو بحث، أريد للصفحات الأخري أن تطوي أيضا، ما دام معاوية قد ألحق بالصحابة المقربين و ما دام رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قد قال عنه بأنه أحد الأمناء الثلاثة (جبرائيل و محمد و معاوية) كما جاء في الحديث المزور الذي وضعه مرتزقة الدولة، و قد نسب كل ما قام به الي الاجتهاد، و لم ينكر أحد أخطاءه غير أنهم قالوا أنه تأول فأخطأ.

هل تأول فأخطأ مرة أو مرتين أو عشرة مرات لنسكت عن ذلك و نغض النظر عن هذه الاخطاء المحدودة، أم أن حياته كانت سلسلة من الأخطاء الكبيرة المتعمدة التي لا يقع فيها الانسان العادي لبسيط لا (المجتهد الكبير و الصحابي معاوية).

غير أن دولة معاوية في متناول يد الظالمين و المنحرفين علي امتداد الأزمان، و تكاد تزودهم بمنهج كامل و تفصيلات مسهبة عن الاداء المنحرف المبرر بالاسلام


نفسه، و تزودهم بالحجج و الذرائع التي يسكتون بها أعداءهم و معارضيهم، لذلك فان الكلام عنها ممنوع الا في الحدود التي ينحاز فيها أصحاب الكلام الي هذه الدولة.

و يكاد فقهاء السلاطين و وعاظهم علي امتداد التاريخ يكونون نسخة معادة من أولئك الفقهاء الأوائل الذين تلقي عليهم كل شي ء كما يصدقون في كل شي ء باعتبارهم كانوا أقرب الي وقوع الأحداث و أحدث صلة بالمصدر الرئيسي للتشريع، لذلك فهم أوثق و قولهم الفصل في اعتقاد الجهله، حتي ذهب البض الي الأخذ عنهم و سد باب الاجتهاد و كأن الحياة لا يوجد فيها ما يستجد و يتطلب المزيد من مقومات النظر و الدراسة.

لقد سكت هؤلاء عن فعل يزيد - و فعله لا يستهان به علي أي حال - لأنه من نتاج معاوية و تربيته و اعداده و لأنه جاء به و سلطه علي الأمة بعد ما اجتهد في ذلك و وجد أنه أصلح الناس لذلك، و لما كان معاوية ممن لا يمن مناقشة آرائه و اجتهاداته، فان النظر قد غض عن يزيد و أعوان يزيد و أعمالهم.

و بما أن ابن زياد في مقدمة أعوان يزيد، بل أنه كان معدا من قبل معاوية نفسه كما رأينا للعب الدور الذي لعبه في قتل الحسين عليه السلام و أصحابه في الطف، كما كان مسلم بن عقبة معدا من قبله أيضا للقيام بدور استباحة المدينة المنورة فيما بعد بواقعة الحره.

فان التعرض لهما يثير الحساسية ضد معاوية نفسه، ناهيك عن يزيد.

و لم يستطع الاعلام الأموي وقف رد الفعل الكبير علي الحدثين الهائلين في كربلاء و المدينة و التعتيم عليهما، كما لم يستطع الا أن يتراجع أمامه و يكتفي بالقاء التبعة علي المنفذين المباشرين للجريمة، الذين القوها بدورهم علي آخرين و منهم سيدهم الذي أمرهم بها.