بازگشت

افتراءات حول تراجع مزعوم...


مصدرها عمر بن سعد

لقد رفض الامام الحسين عليه السلام عدة عروض دعته الي وضع يده بيد ابن زياد أو مبايعة يزيد، و قد انتشرت اشاعة عمر بن سعد بأن الحسين عليه السلام طلب أن يسير الي يزيد فيضع يده في يده أو يذهب مرابطا في أحد الثغور أو يعود من حيث أتي، غير و أن هذه الاشاعات ظهر زيفها.

اذ كيف يمتنع الحسين عليه السلام عن مبايعة يزيد و يرفض ذلك في كل وقت عرض عليه قبل هلاك معاوية و بعده، و بعد أن جرت محاولات محمومة مستمرة في سبيل ذلك، و حتي آخر لحظة ثم يقال يمتنع عن وضع و علي لسان قاتله نفسه أنه ما كان ليمتنع عن وضع يده بيد يزيد غير أنه يمتنع عن وضع يد بيد ابن زياد.

و هل ابن زياد الا يزيد في صورة أخري و شكل آخر؟

هل كان ابن زياد وحده ممثل دولة الظلم، و لم يكن يزيد - رأس هذه الدولة - كذلك؟ لقد رفض الحسين عليه السلام هذه الدولة كلها برموزها و أشخاصها و ممارساتها، و كان الشي ء الوحيد الذي يطمح اليه هو انتشال أكبر عدد ممكن من الناس من بين أنيابها و براثنها و اعاداتهم الي الصواب.

و قد حاول في كل خطبه و بياناته توضيح المهمة الدقيقة التي انتدب لها و هي ازالة دولة الظلم و الانحراف و توضيح طبيعة توجهات هذه الدولة التي انتسبت للاسلام مع انها لم تكن تمت اليه بأية صلة.

و كانت تعليمات ابن زياد للحصين و للحر بعد ذلك أن يجعجع بالحسين و لا يتركه الا بالعراء في غير حصن و علي غير ما تدل علي أن العداوة اتخذت لها في نفسه


بعدا شخصيا، فقد كان يري أن الحسين يستهدفه هو، و كان ينطلق من عقدة حقد مقيته يري معها أن يقتل الحسين و يمثل بجثته، مع أن هذا لم يكن يضير به عليه السلام بعد الموت. الا أنه كان قد صمم علي ذلك و قرره امام الناس، و قرر أن يمضي في قراره الي النهاية، ان سمة الارهاب المتفردة التي تميز بها ابن زياد و أبوه من قبل جعلتهما يبرزان في هذا الشأن و يحصلان علي رضا و استحسان سيديهما يزيد و معاوية و مباركتهما لهما هذا الأسلوب الذي أصبح شائعا بعد هما تعتمده دول الظلم و تتفنن فيه الي يومنا هذا.

كانت حجة الامام عليه السلام واضحة لابن سعد عندما استوضحه عن سبب مقدمه الكوفة، قال الامام عليه السلام: لقد استدعيتموني ضد هذه الدولة الظالمة، و قد استجبت لذلك أما و قد تراجعتم فدعوني انصرف عليكم.

و هنا لم يرد ابن زياد أن يفرط بالفرصة الذهبية بعد أن حاصر الحسين عليه السلام بجيشه الكبير الذي استفزه لقتاله، و عبر عن حقده الكبير عليه ببيت من الشعر القاه شامتا بعد أن ورد عليه كتاب عمر بن سعد، يقول فيه: (أما بعد، فاني حيث نزلت بالحسين بعثت اليه رسولي، فسألته عما أقدمه، و ماذا يطلب و يسأل، فقال: كتب الي أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم، فسألوني القدوم ففعلت، فأما اذا كرهوني، فبدا لهم غير ما أتتني بهم رسلهم فأنا منصرف عنهم.

فلما قري ء الكتاب علي ابن زياد قال:



الآن اذ علقت مخالبنا به

يرجو النجاة ولات حين مناص) [1] .



و رسالة ابن سعد هذه تناقض ما ادعاه بعد ذلك حول طلب الحسين عليه السلام للذهاب الي يزيد أو الي أحد الثغور أو الرجوع من حيث أتي، و يبدو مضمونان منسجما مع بيت الشعر الذي القاه ابن زياد هنا، اذ كيف يطلب اليه الحسين عليه السلام أن يبايع يزيد فيرفض و هي أمنية لكل أعضاء الدولة الأموية دون استثناء أن يبارك لهم الحسين عليه السلام دولتهم و يضع يده في أيديهم ليقولوا للناس بعدها: انظروا ها هو الحسين قد أقر بشرعية دولتنا، فلماذا لا يقر ذلك الجميع؟ و سيكون الظلم مبررا عند ذلك و الانحراف مشروعا ما دام خليفة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و وصيه الحقيقي قد بارك العدو


الحقيقي للأمة و اعترف به خليفة عليها، بل ملكا مطلقا، و هل يصح هذا من الحسين عليه السلام؟ بل هل يصح هذا من أي مسلم لديه شعور حقيقي بالمسؤولية الرسالية كأصحاب الحسين مثلا؟

هل يصح أن يتنازل الحسين عليه السلام عن هذه المسؤولية و يتركها ليتبناها أحد أفراد الأمة؟ و هل سيقوم أحد بتبني قضايا الاسلام الرسالية المصيرية اذا ما تخلي عنها رجال أمثال الحسين؟

كان الحسين عليه السلام يتبني قضية الاسلام بكاملها، و كان يريد لوجوده أن يكون الوحيد الواضح البارز في الساحة، كان من يتصدي له و يحاربه، يتصدي للاسلام نفسه و يحاربه أيضا، لقد وضع الحسين عليه السلام قضية الاسلام بمواجهة قضية الشرك الجديد الذي يدعو لفراعنة جدد، ألبسوا دعواهم هذه المرة رداء الاسلام و زيه الخارجي و عرضوا أنفسهم علي المسلمين كحماة وحيدين لهذا الدين و كمطبقين حقيقيين لبنوده و أحكامه و تشريعاته، بعد أن وجدوا أعوانا من بين الفقهاء المأجورين و مدعي صحبه رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و الوعاظ المرتزقين و رؤساء القبائل و الأشراف و الشعراء و القصاصين و واضعي الحديث و المفسرين.

و بدا اعجاب ابن زياد بقوته و استهانته بالنفر القليل الذي ضمه ركب الحسين عليه السلام و بدت عنجهيته و استهتاره اللذان اعتاد عليهما بجوابه لعمر بن سعد علي رسالته التي أرسلها اليه بخصوص رفض الحسين عليه السلام الاستسلام لحكومة يزيد، (أما بعد ربطه، فقد بلغني كتابك، و فهمت ما ذكرت، فاعرض علي الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية، هو و جميع أصحابه، فاذا فعل ذلك رأينا رأينا) [2] .

ثم كتب اليه يأمره:

(.. أما بعد فحل بين الحسين و أصحابه و بين الماء و لا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي المظلوم أميرالمؤمنين عثمان بن عفان) [3] .

و قد استجاب ابن سعد استجابة ذليلة لاوامره و بعث عمرو بن الحجاج علي خمسمائة فارس، فنزلوا علي الشريعة (النهر) و حالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء ان يسقوا منه قطرة.



پاورقي

[1] الطبري 311 / 3.

[2] الطبري 211 / 3 و ابن الأثير 214 / 3.

[3] المصدر السابق.