بازگشت

الشك أولا


و ثمة شي ء آخر ملفت للنظر أيضا هو حذر عبيدالله و شكه و عدم ثقته حتي بالمقربين منه، و من يحسبون أنه قد أمن منهم و لجأ اليهم، فهو يدرك أن المبادي ء ليست هي التي دعتهم لخدمته و السير وراءه، و انهم ربما يتخلون قريبا عنه لسبب أو لآخر و ينحازون الي جانب عدوه اذا ما وجدوا أن الغلبة له في النهاية.

فعندما اختلي مسلم بن عمرو الباهلي بهاني ء بن عروة يريد أن يقنعه بتسليم مسلم اليه و جلسا (ناحية من ابن زياد، و هما منه علي ذلك قريب حيث يراهما، اذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان و اذا خففا، خفي عليه ما يقولان...) [1] فهو لا يريد أن يفلت أي منهما من مراقبته و من نظراته، كما لم يرد أن يفلت مسلم و عمر بن سعد من نظراته أيضا، عندما أراد مسلم قبيل مقتله أن يختار أحدا يبلغه سره، فاختار عمر باعتباره القرشي الوحيد الذي ينتمي بقرابة بعيدة اليه (... فقام فجلس معه حيث ينظر اليه ابن زياد...) [2] .


و عندما أرسل شريحا القاضي يشهد لمذحج، قوم هاني ء، بأنه حي و ان عبيدالله لم يفعل شيئا سوي ان ضربه و أدبه!، أرسل معه حميد بن بكر الأحمري، و كان من شرطه، ممن يقوم علي رأسه، ليري هاني ء أولا، ثم يدلي بشهادته الكاذبة أمامهم.

و قد ادعي أبوموسي (شريع) - فيما بعد - أنه لو لم يرسله و معه (و لو لا مكانه معي لكنت أبلغت أصحابه ما أمرني به) [3] هاني ء و كان هاني ء قد أوصاه أن يعلم أصحابه حقيقة حاله و يستنهضهم لنصرته. و عندما أرسل الحر بن يزيد يأمره أن يجعجع بالحسين عليه السلام فلا ينزله الا بالعراء في غير حصن و علي غير ماء، قال في رسالته له (و قد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتي يأتيني بانفادك أمري) [4] .

كما بعث جويبرة بن بدر التيمي الي ابن سعد و أمره ان لم يقاتل أن يضرب عنقه و بعث شمر بن ذي الجوشن الي ابن سعد يأمره أن يعرض علي الحسين و أصحابه عليهم السلام النزول علي حكمه فان فعلوا فليبعث بهم اليه و ان هم أبوا فليقاتلهم. و أوصي شمرا أنيري مدي التزام ابن سعد باوامره، فاذا نفذها (.. فاسمع له و أطع، و ان هو أبي فقاتلهم، فأنت أمير الناس، وثب عليه فاضرب عنقه، و ابعث الي برأسه) [5] .

و لعل ابن زياد هنا كان متأثرا بابيه الذي يعد من (الدهاة) و بمعاوية الذي لم يطمئن الي أحد من أعوانه و مستشاريه.


پاورقي

[1] راجع المصادر السابقة المذکورة عند الحديث عن مسلم.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] المصدر السابق.

[5] الطبري 313 / 3.