بازگشت

شجاعة أم سوء خلق


ان ما يلفت النظر عند استعراض سيرة ابن زياد هو سوء الخلق الذي امتاز به لا أما أعدائه و حسب، و انما أمام أنصاره و الموالين له، حتي و ان كانوا يتمتعون بمكانة مرموقة بين قومهم، و لن نتعرض لسلوكه السي ء مع هاني ء و مسلم، و قد سبق أن تكلمنا عن ذلك في كتابنا، فقد يوجد التبرير اللازم لذلك و هو أنهما من أعدائه و خصومه.

لقد عاتبه أسماء بن خارجة و هو من أعوانه عتابا خفيفا علي عدم الوفاء بعهده لهاني ء، و كان أحد الذين دعوا هانئا للحضور أمامه علي أن له الامان، و قد التفت اليه ابن زياد، كأنه لا يشعر بوجوده و لم يحس به الا في تلك اللحظة التي تكلم فيها، و قال له: (و انك لهنا فأمر به فلهز و تعتع ثم ترك فحبس) [1] فترة قصيرة، مع أن أسماة قد يتبجح أمام الناس بمكانته (المرموقة) عند ابن زياد.

و مع أن محل ابن الاشعث كان مقربا منه هو الآخر، و كان أحد وجوه و أشرف الكوفة المعروفين، الا أن ابن زياد نخسه بالقضيب في جنبه (و هو ما يفعله المرء مع حماره عادة) عندما سمع أن مسلم كان في احدي دوره و أمره أن يأتي به حالا، و قد استجاب ابن الاشعث استجابة ذليلة و قد حسب عند ما استعصي عليه أمر القبض علي مسلم ان بامكانه اعطاءه الأمان، و فعل ذلك و أمنه، و عند ما أخبر ابن زياد بما كان امانه اياه سخر منه ابن زياد و قال له: (... ما أنت و الامان، كأنا ارسلناك تؤمنه، انما أرسلناك تأتينا به فسكت) [2] .

انه يخاطبه باستعلاء و كأنه يقول له: انما أنت أحد عبيدنا و خدمنا و ما عليك الا الطاعة، و نري العديد من هذه اللقطات الملفتة للنظر عند ما نستعرض سلوكه قبيل معركة الطف و بعدها.


ان هذه الظاهرة تبدو لنا في سلوك أولئك الجافين الغلاظ الذين لا يحكمهم قانون سوي قانونهم الشخصي و مصالحهم و امتيازاتهم و هواهم؛ و هيهات أن نجد لهذا الخلق السيي ء أثرا لدي الناس الرساليين الذي يرون أن أقل ما ينبغي أن يمنحوه للآخرين هو الخلق العالي القويم، و شتان ما بين طاغية و داعية الي الاسلام و الي الله.

و يبرز سوة سلوكه ببعض الفاظة البذيئة و حتي مع الذين لا يستدعي الأمر معهم ذلك [3] و قد رويت لنا حوادث عديدة عن ذلك.


پاورقي

[1] الطبري 290 - 286 / 3.

[2] المصدر السابق.

[3] روي المبرد في الکامل 127 - 2 عن الرياشي قال: دخل أبوالأسود الدؤلي علي عبيدالله بن زياد و قد أسن، فقال له عبيدالله يهزأ به: ايه يا أبا الأسود، انک لجميل، فلو تعلقت تميمة ترد عنک بعض العيون. فقال أبو الأسود:



أفني الشباب الذي أفنيت جدته

کد الجديدين من آت و منطلق‏



لم يترکا لي في طول اختلافهما

شيئا أخاف عليه لذعة الحدق‏



و روي الجاحظ، البيان و التبيين 211 / 2 (ان سويد بن منجوف کلمه في الهثهات بن ثور فقال له: يا ابن البضراء قال له سويد: کذبت علي نساء بني سدوس، قال: اجلس علي است الأرض، قال سويد: ما کنت أحسب أن للأرض استا...).