بازگشت

اسطورة في الارهاب و سفك الدماء


مع الخوارج أولا

علي أن الصفة التي اشتهر بها آل زياد و خصوصا زياد و عبيدالله، هي القسوة المتناهية مع الناس دون سبب، و الجرأة علي سفك الدماء، و ذلك ما أكسبهم سمعة اسطورية في هذا المجال، لم يغلبهم فيها في ذلك العهد الا الحجاج.

و قد جعل اقدامهم علي تنظيم حمامات الدم المتواصلة لأعداء الدولة الناس يخشونهم خشية شديدة، و قد سمعنا العديد من الاقاصيص التي رويت لنا عن ولع زياد و ابنه بالقتل دون تحفظ... و هذا ما دعي معاوية للتفكير بكتابة أمر يولي فيه ابن زياد الكوفة بعد وفاته ما فكرت بالخروج علي حكمه و رجعت الي قيادتها الشرعية المتمثلة بالامام الحسين عليه السلام.

و قد مارس ابن زياد مهمانة منذ أن ولاه معاوية خراسان عام 53 ه، (بكفاءة) عالية الاداء جديرة أن ترضي سيده و تجعله يري أنه جدير بمهمات كبيرة في المستقبل.

فقد أقام بخراسان سنتين [1] ثم ولاه البصرة بعد أن وقعت فيها بعض المشاكل، و بعد أن رفضوا عامله السابق عليهم و هو عبدالله بن عمرو بن غيلان، و وفدوا الي معاوية يرجون عزله.

و في سنة 58 (اشتد عبيدالله بن زياد علي الخوارج، فقتل منهم صبرا جماعة كثيرة، و في الحرب جماعة أخري) [2] .

و قد رويت قصة مقادها أن معاوية عزل ابن زياد سنة 59 ثم أبقاه بتوصية من


الأحنف كما زعم [3] ، و أغلب الظن أن معاوية لجأ الي ما لجأ اليه لكي يريه أن أمر عزله بسيط و أن الأمر الوحيد الذي يتيح له البقاء هو التفاني المطلق في خدمة دولته.

و ان الأحنف لم يرد التدخل في أمر توليه أحد يراه هو مناسبا، و ترك الأمر لمعاوية يتحمل مسؤولية ذلك وحده، اذ أنه لم يكن ليولي من يرضي عنه الأحنف بأي حال من الأحوال، و رما أراد جس نبضه ليري مدي استعداده للتدخل في شؤون الدولة، و قد فوت الاحنف هذه الفرصة عليه.

كما رويت قصة أخري عن عبث الشاعر ابن المفرغ بعباد، أخي زياد و قوله فيه اشعارا تناقلتها الناس، كما رويت عنه أشعار ساخرة بشأن استلحاق زياد بأبي سفيان، و قد طلب عبيدالله من معاوية أن يقتله الا أن معاوية رفض ذلك و طلب منه أن يؤديه و حسب.

و قد تحمل ابن زياد هجاء ابن مفرغ و سخريته و لم يستطع فعل شي ء معه لأن معاوية قد أمنه، بل و أعاده الي البصرة، الي حيث ابن زياد نفسه، و يبدو أن تلك كانت محاولات متكررة من معاوية لاختبار ولاء ابن زياد لقائد الدولة الأموية.

كم نشط ابن زياد - قبل اقدامه علي جريمته الكبري في الطلف - في محاربة الخوارج في كل مكان كان يكلف بادارته و اشتهر باعتباره أكبر محارب و عدو لهم. [4] .


و بما أن الخوارج عرفوا باعتبارهم أسوا مفسرين لآيات القرآن الكريم و بنود الاسالم عامة و كانوا علي حد تعبير أميرالمؤمنين عليه السلام ممن طلبوا الحق فأخطؤوه، و كان لهم دور كبير بمهزلة التحكيم و قد أجبروه عليه السلام بقبولها بايعاز خفي من أعوان معاوية المندسين في جيشه، ثم قتله بعد ذلك و توبة الكثيرين منهم و قيامهم باعلان الثورة علي الحكم الأموي، و رفض أي نمط للحكم سواء أكان مقاربا لحكومة أميرالمؤمنين عليه السلام أو حكومة معاوية و دعوتهم للالتزام الحرفي بنصوص الكتاب الكريم بغض النظر عن المناسبات التي نزلت بها أو التقليد بأحكام النسخ و التفسيرات التي أوردها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أو أميرالمؤمنين عليه السلام وصيه من بعده، و كانوا معروفين بخروجهم الدائم علي الدولة و المجتمع و الاسلام في آن واحد، من هنا ان ابن زياد - كأبيه - اكتسب شهرة بمقاومتهم و ابادتهم بشكل بدا فيه و كأنه بطل يؤدي للاسلام أفضل الخدمات.

فلا شك في أن الخوارج كانوا من أشد الفرق تخريبا للاسلام، و يستتبع ذلك أن يكون المحارب لهم، في نظر العديدين من أبطال المسلمين.

ألم يحاربهم أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه؟ و قد كان بذلك ينصر الاسلام... و قد حاربهم معاوية، فلابد أنه كان ينصر الاسلام أيضا..!!.

بهذه الحجة قد يواجهه المدافعون عن معاوية خصوصمهم...

و يواجه المدافعون عن أقطاب الدولة الأموية كزياد و عبيدالله خصومهم أيضا...

و هي حجة تبدو قوية في الظاهر، غير أننا اذا ما درسنا وقائع التاريخ الاسلامي في ذلك العهد و نظرنا الي الدوافع و راء اعلان الحرب علي الخوارج من قبل حكومة أميرالمؤمنين عليه السلام أدركنا أن هؤلاء سيكونون بذرة اختلاف و فرقة بين أبناء الأمة، و أنهم بذلك ساعدوا علي تمرير بعض المخططات الرهيبة عليها مثل مهزلة التحكيم، و أنهم سيكونون ذريعة لكل حاكم يريد ضرب خصومه فلا يجد أنسب من توجيه و الصاق تهمة الانتساب اليهم للخصوم.

ان دوافع معاوية لم تكن بالتأكيد نفس دوافع علي عليه السلام فمعاوية يريد تثبيت دولته و تحصينها ضد كل خطر محتمل مهما كان مصدره و يهمه استقرار هذه الدولة و استتباب الهدوء فيها ليمرر كل مخططاته و ألا عيبه، و هؤلاء من الذين يقفون حجر عثرة في سبيل ذلك، فادار القضاء عليهم ليتم له ذلك.


و من هنا جاءت توصية أميرالمؤمنين عليه السلام.

(لا تقاتلوا الخوارج بعدي، فليس من طلب الحق فاخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه.

قال الشريف: يعني معاوية و أصحابه) [5] .

فمعاوية أدرك طلبه و أقام دولته علي الباطل، و هذا ليس مبررا لالباس حكمه ثوب الشرعية نزولا علي نظرية الحكم الواقع، و لا يؤهله ذلك لأن يقف في مقدمة من يتصدي للطرف الآخر الذي لا يقل عنه خطورة.

و قول أميرالمؤمنين عليه السلام واضح هنا، و كانت له اشارات عديدة واضحة - عن العلم الذين تعلمه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم - أن من سيلي أمور الأمة و مقدراتها هم معاوية و رهطه، و كانت علامات ذلك تبدو من خلال انحراف الأمة وراء الفتن و الأهواء و قادة السوء الذين تزعمهم معاوية. فأمير المؤمنين عليه السلام يري هنا طرفين، أحدهما طلب الحق فأخطأه و هم الخوارج الذين ضلوا بشبهات و تفسيرات غريبة تبنوها و اعتقدوها و ربما كانت نواياهم مخلصه رغم خطئهم القاتل الذي جر علي الأمة الويلات.

و الثاني معاوية و رهطه الذين لم تكن لهم أربة في الحق و لم يكونوا من أرباب الدين و الصلاح (و كان مترفا يذهب مال الفي ء في مآربه و في تمهيد ملكه، و يصانع به عن سلطانه و كانت أحواله كلها مؤذنه بانسلاخه عن العدالة و اصراه علي الباطل و اذا كان كذلك لم يجز أن ينصر المسلمون سلطانه و تحارب الخواج معه و ان كانوا ضالين) [6] .

فلم يكن تصدي الدولة الأموية و حربها للخوارج بدافع من حرصها علي الاسلام، و انما كان بدافع الحفاظ علي كيانها كدولة مملوكة لمعاوية و أعوانه، و كان ابن زياد - علي هذا الأساس - جديرا بأن يقوم بهذه المهمة بنفس الحماس الذي قام به أبوه من قبل، فأي طرف أو جهة تخرج علي الدولة، فان ذلك يعني الخروج عليه هو و يعني مزاحمته شخصيا علي المكاسب و الامتيازات التي حصل عليها و التي ما كانت تتاح له أبدا لو كان يعيش في ظل دولة اسلامية حقيقية.


و هذا هو سر تفانيه في خدمة الدولة و خوض الحروب من أجلها حتي اشتهر بذلك و حتي اعتقد بعض من يعالجون الأمور دون النظر الي مسبباتها، أنه كان بطلا من أبطال الاسلام ما دام قد حقق تلك النجاحات الباهرة في حروبه مع الخوارج الذين أضروا بالأمة فعلا و كان مجي ء معاوية للحكم في نهاية المطاف نتيجة لتصرفاتهم و اندفاعهم الأحمق و راء الشبهات و الأضاليل.

و قد بالغ ابن زياد في قسوته في معاملة الخوارج و لجأ الي أشد الأساليب عنفا حتي مع النساء، فقد سمعه أحد الذين كانوا في مجلسه ذات يوم يذكر البلجاء الخارجية، فحذر أبا بلال، أحد أصحابها (فمضي اليها أبو بلال، فقال لها: ان الله قد وسع علي المؤمنين في التقية [7] فاستتري فان هذا المسرف علي نفسه الجبار العنيد قد ذكرك. قالت: أن يأخذني فهو اشقي بي فأما أنا فما أحب أن يضر انسان بسببي فوجه اليها عبيدالله بن زياد فأتي بها فقطع يديها و رجليها و رمي بها في السوق.

ثم ان عبيدالله تتبع الخوارج فحبسهم [8] ثم قتل من كان في الحبس منهم بعد ذلك. [9] .

و قد هزم مرداس الخارجي و أصحابه و عددهم أربعون شخصا جيشا جرده ابن زياد عليهم يتألف من الفي رجل.

و قد سخر أحد الشعراء و هو عيسي بن فاتك من جيش ابن زياد الذي ضم المرتزقة (ذوي الجعائل) كما سماهم أي الذين يعطون أجوزا لينوبوا علي آخرين في القتال، رغم تشجيع السلطة اياهم و تسميتهم بالمؤمنين عند استنفارهم لقتال أعدائها.



فلما استجمعوا حملوا عليهم

فظل ذوو الجعائل يقتلونا



بقية يومهم حتي أتاهم

سواد الليل فيه يراوغونا



يقول بصيرهم لما أتاهم

بأن القوم ولوا هاربينا



أألفا مؤمن فيما زعمتم

و يهزمهم بآسك أربعونا [10] .




و في معركة أخري جرد لها ابن زياد أربعة ألاف من الجنود استطاعوا التغلب علي الخوارج مستغلين انشغالهم بالصلاة، و هي حيلة ربما دبرها ابن زياد لقائده.

(و كان عبيدالله لا يلبث الخوارج [11] ، يحسبهم تارة و يقتلهم تارة، و أكثر ذلك يقتلهم و لا يتغافل عن أحد منهم) [12] .

و هذه مأثرة ابن زياد الوحيد، غير أنه كان يريد أن يحمي بها دولته و سلطانه، و لم يكن ينتصر للاسلام بأي حال من الأحوال.


پاورقي

[1] الطبري 244 / 3.

[2] المصدر السابق 254 / 3.

[3] ذکر الطبري في تاريخه 257 / 3 أن عبيدالله بن زياد وفد في أهل العراق الي معاوية فقال له: (ائذن لو فدک علي منازلهم و شرفهم، فأذن لهم، و دخل الاحنف في آخرهم، و کان سي‏ء المنزلة من عبيدالله فلما نظر اليه معاوية رحب به، و أجلسه معه علي سريره، ثم تکلم القوم فأحسنوا الثناء علي عبيدالله و الاحنف ساکت. فقال: مالک يا أبا بحر لا تتکلم؟ قال: ان تکلمت خالفت القوم. فقال: انهضوا فقد عزلته عنکم، و اطلبوا واليا ترضونه. فلم يتبني في القوم أحد الا أتي رجلا من بني‏أمية أو من أشراف أهل الشام، و قعد الأحنف في منزله، فلم يأت أحدا، فلبثوا أياما، ثم بعث اليهم معاوية فجمعهم، فلما دخلوا عليه، قال: من اخترتم؟ فاختلفت کلمتهم، و سمي کل فريق منهم رجلا، و الأحنف ساکت. فقال له معاوية: ما لک يا أبا بحر لا تتکلم؟ قال: ان وليت علينا أحدا من أهل بيتک لم نعدل بعبيدالله أحدا، و ان وليت من غيرهم فانظر في ذلک قال معاوية: فاني قد أعدته عليکم، ثم أوصاه بالأحنف، و قبح رأيه في مباعدته، فلما هاجت الفتنة لم يف لعبيدالله غير الأحنف).

[4] و قد روي الطبري أن زياد و ابنه قتلا من الخوارج ثلاثة عشر ألفا و حبس عبيدالله منهم أربعة آلاف 375 / 3 و قد روي عنه قوله: (فما عملت بعد کلمة الاخلاص عملا هو أقرب الي الله عندي في قتلي من قتلت من الخوارج) الطبري 374 / 3.

[5] نهج‏ البلاغة 94.

[6] ابن أبي الحديد - شرح نهج‏البلاغه 447 - 5.

[7] التقية و القتاة بمعني الوقاية و الحفظ.

[8] الکامل في الأدب 138 / 3.

[9] المصدر السابق.

[10] المصدر السابق 141 - 140 / 3.

[11] لا يدعهم يلبثون يوما من غير أن ينکل بهم. و العقد الفريد 240 / 2 و ما بعدها و 182 / 1.

[12] الکامل في الأدب 145 / 3 و العقد الفريد 183 / 1.