بازگشت

ابن زياد، كان مشرح معاوية للتصدي للحسين


و غالبا ما يغطي اعوان فرعون ضعفهم و استسلامهم لفرعون بالافراط في القسوة و التظاهر بها أمام المجتمع.


كتب يزيد مهددا ابن زياد و هو يصدر اليه أمر التصدي للامام الحسين عليه السلام، و كانت لهجته تدل علي أنه ربما يلغي القرار الذي أصدره معاوية بالحاق زياد بأبي سفيان، و تدل أيضا علي أن يزيد نفسه و حتي ابن زياد ما كانا يريان القرار يتمتع بأي قدر من الشرعية أو الواقعية.

(انه قد بلغني أن حسينا قد سار الي الكوفة، و قد ابتلي به زمانك من بين الأزمان، و بلدك من بين البلدان، و ابتليت أنت به من بين العمال، و عندها تعتق أو تعود عبدا كما ترق العبيد و تعبد) [1] .

لقد انتدب يزيد ابن زياد لهذه المهمة الصعبة، و هو يعلم أنه سيستجيب له استجابة مطلقة، و سيعمل علي ارضائه كما يعمل العبد علي ارضاء سيده، و قد وضعه في محك شديد يختبر فيه اخلاصه و طاعته.

و قد كان معاوية و سرجون - وزير الدولة و مستشارها - يتوقعان هذا اليوم من قبل، و يدركان الثورة المرتقبة علي يزيد.

و يبدو من مجمل أوضاع ابن زياد و حرصه علي تولي منصب أبيه، أنه كان موضع دراسة فاحصة من قبل معاوية و مستشار دولته، و قد رأيا أنه الرجل المناسب للقيام بهذه المهمة، ما دام قد وضع هدفا وحيدا أمامه و هو نيل الامارة الواسعة في ظل سيده و ابن عمه المزعوم.

و كانت مسألة تكليفه مدبرة قبل موت معاوية و استخلاف يزيد، الذي دعا مستشار الدولة سرجون (فأخبره الخبر. فقال له: أكنت قابلا من معاوية لو كان حيا؟ قال: نعم. قال: فاقبل مني، فانه ليس للكوفة الا عبيدالله بن زياد فولها اياه.

... و أخرج عهدا مكتوبا من قبل معاوية لابن زياد علي الكوفة، فقال: هذا


رأي معاوية و مات و قد أمر بهذا الكتاب، فأخذ برأيه و ضم المصرين (الكوفة و البصرة) الي عبيدالله، و بعث اليه بعهده علي الكوفة) [2] .

كان عبيدالله بعد وفاة أبيه حريصا علي الولاية و الامارة، لأنه قد أتيحت له فرصة التمتع بالملذات و الامتيازات الاستثنائية في ظل امرة أبيه نفسه الذي أخذه من أمه و من زوجها شيرويه المجوسي الذي قضي طفولته في أحصانه و تربي علي يديه.

و يدل علي أصله و منشئه في بيت أمه مرجانة و زوجها شيرويه لهجته و لكنته غير العربية، و استعماله التكلف لبعض الاصطلاحات و الكلمات العربية في غير مواقعها المناسبة (و انما أتي عبيدالله بن زياد في ذلك أنه نشأ في الأساورة عند شيرويه الأسواري زوج مرجانة أمه) [3] و كان لهذا السبب (يرتضخ لكنة فارسية من قبل زوج أمه شيرويه الاسواري) [4] . و قد وجه الخطاب الي هاني ء بن عروة، أحد وجوه الكوفة - بعد أن قبض عليه بحيلة غادرة، متهما اياه بأنه خارجي، و هي حجة تشهر بوجه كل من يقف بوجه الدولة - قائلا له: (أهروري منذ اليوم) يريد (أحروري)، و هذه الهاء تشترك في قلبها من الحاء أصناف من العجم) [5] .

(و كان يقلب القاف كافا) [6] و قد قال يوما: (من كاتلنا كاتلناه، يريد: من قاتلنا قاتلناه) [7] .

و لا شك أن لابن زياد بعض المواهب الاستثنائية في بعض أمور الحياة و الحكم و السياسة علي طريقة معاوية و زياد، و لا شك أن ذلك الأسلوب الجاهلي الذي يعتمد


المصلحة و يتجرد من كل القيم، قد أشهر بوجه الأسلوب الاسلامي المستقيم فكان له شأنه الكبير في جعل الانحراف يتخذ أبعادا مشروعة لأن الذي تبنوه هم أركان الدولة، و قد وجدوا من بين فقهاء الدولة و وعاظها المأجورين من يبرر لهم ذلك.

ففي المقاييس الأموية يبدو ابن زياد موهوبا و بارعا الي الحد الذي يعجب معاوية نفسه، و مع ذلك كانت لمعاوية مؤاخذة واحدة عليه و هي لكنته غير العربية.

روي أبو الحسن قال: (أوفد زياد عبيدالله بن زياد الي معاوية، فكتب اليه معاوية: «ان ابنك كما وصفت، و لكن قوم من لسانه» و كانت في عبيدالله لكنة، لأنه كان نشأ بالأساورة مع أمه «مرجانة» و كان زياد قد زوجها من شيرويه الأسواري [و دفع اليها عبيدالله] [8] ، و كان قال مرة: «افتحوا سيوفكم» يريد سلوا سيوفكم، فقال يزيد بن مفرغ:



و يوم فتحت سيفك من بعيد

أضعت و كل أمرك للضياع



و قال لسويد بن منجوف: اجلس علي است الأرض، قال سويد: ما كنت أحسب أن للأرض أستا) [9] .


پاورقي

[1] ابن کثير 167 / 8 و العقد الفريد 127 / 5، و قد ذکر الطبري أنه ذکر في رسالته اليه (... أنه قد بلغني أن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق، فضع المناظر و المسالح و احترس علي الظن، و خذ علي التهمة...) 293 / 3. و لعل لسرجون کاتب معاوية و وزيره، ثم وزير يزيد بعد ذلک اليد الطولي بمثل هذه التوجهات و القرارات الصادرة عن يزيد، لأنه لا تبدو فيها أية مسحد اسلامية أو ظل لقانون أو مبدأ اسلامي... و سرجون کما هو معلوم من نصاري الشام.

[2] الطبري 280 / 3 و ابن الأثير 387 / 3. و روي في العقد الفريد أن يزيد استشار جماعة من أهل الشام فقال: (يا أهل الشام، اشيروا علي، من أستعمل علي الکوفة؟ فقالوا: ترضي من رضي به معاوية؟ قال: نعم. قيل له: فان الصک بامارة عبيدالله بن زياد علي العراقين قد کتب في الديوان. فاستعمله عليها فقدمها قبل أن يقدم الحسين) 126 / 5.

[3] البيان و التبيين 73 / 1 و الأساورة قوم من العجم بالبصرة نزلوها قديما، کالأحامرة في الکوفة.

[4] العقد الفريد 307 / 2 و الکامل في الأدب 162 / 2.

[5] الکامل في الأدب 163 / 2 و البيان و التبيين 72 / 1.

[6] البيان و التبيين 73 / 1.

[7] ابن کثير 284 / 8.

[8] المعارف - ابن قتيبة 151.

[9] البيان و التبيين / 411 - 410 /2.