بازگشت

القسوة المفرطة


تعبير عن الشعور بالنقص لقد عرفنا من هو زياد، و كيف اشتهر بالقسوة و الظلم و الأخذ علي الشبهة و الشك و الظن، و اعتمد ذلك قانونا بديلا عن قانون الاسلام و العادل.


و ما كان عبيدالله الا كزياد في هذا الأمر - كما عبر هو عن ذلك لأهل البصيرة قبيل مغادرتها استجابة لأمر يزيد بالتصدي للامام الحسين عليه السلام و العمل علي قتله - (أنا ابن زياد، اشبهته من بين من وطي ء الحصي، و لم ينتزعني شبه خال و لا ابن عم) [1] .

و أكمل تهديده لأهل البصرة بعد أن قتل رسول الحسين عليه السلام اليها قائلا: (فهو الذي الا اله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه و عريفه و وليه و لآخذن الأدني بالاقصي حتي تسمعوا لي، و لا يكون فيكم مخالف و لا مشاق) [2] .

و في خطابه نلمس اصراره علي استعمال نهج أبيه من قبل، بل و استعمال نفس كلماته، كان أبوه قد قال في أول خطبة له في أهل البصرة من قبل:

(و اني أقسم بالله لآخذ الوالي بالمولي، و المقيم بالظاعن و المقبل بالمدبر، و الصحيح منكم بالسقيم [3] .

لقد تشبه به فعلا في ظلمه و قسوته و خروجه المتعمد علي قوانين الاسلام، كما في خضوعه ليزيد، كما خضع ذاك لمعاوية.

كانت قسوته تلك قد لجأ الهيا مع كل الذين كان يحتمل أن يتصدوا لدولة الظلم الأموية بالقول أو الفعل، و في دوامة السعي للحفاظ علي تلك المملكة التي أسسها معاوية لولده، راح ابن زياد يتعقب كل رافضي تلك المملكة و أعدائها مهما كانت توجهاتهم و غاياتهم، لم يهمه من أمرهم سوي أنهم كانوا أعداء له.

(روي أن قيس بن خرشه وفد علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، أبايعك علي ما جاءك من الله، و علي أن أقول بالحق فقال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم: عسي أن يكون عليك من لا تقدر علي أن تقوم معه بالحق و في رواية: يا قيس عسي أن مد بك الدهر أن يليك بعدي ولاة لا تستطيع أن تقول بحق معهم) [4] ، فقال قيس: و الله لا أبايعك علي شي ء الا وفيت لك به، فقال النبي صلي الله عليه وآله وسلم: اذا لا يضرك شي ء).


فكان قيس يعيب زياد بن أبيه، و ابنه عبيدالله، و كان يقول: قال لي النبي صلي الله عليه وآله وسلم لا يضرك شي ء، فارسل اليه عبيدالله بن زياد و قال له: أأنت الذي تزعم أنه لن يضرك شي ء؟ فقال: نعم، قال: كذبت أنت تفتري علي الله و رسوله، فقال: لا و الله و لكن ان شئت اخبرتك بمن يفتري، قال ابن زياد: و من هو؟ قال: من ترك العمل بكتاب الله و سنة رسوله، قال: و من ذاك؟ قال: أنت و أبوك و من أمركما.

قال ابن زياد: لتعلمن اليوم انك قد كذبت، و صاح قائلا: ائتوني يصاحب العذاب، فمال قيس عند ذلك فمات) [5] و لم يضره ابن زياد، و لعل الأجل قد امتد به تلك الساعة حتي يسمع الجلاد رأي الاسلام فيه، و لعل موته في تلك الساعة كان يشكل معجزة من معاجز رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم تأخر ظهورها حتي تلك اللحظة، لتلفت نظر أولئك الذين أعرضوا عن الاسلام و في مقدمتهم ابن زياد نفسه، غير أن لسلطان الهوي و الانحراف غشاوة تعمي القلوب و الأبصار.

و ثمة أمر تلفت هذه الحادثة نظرنا اليه، لم نسمع عنه من قبل و هو ان لا بن زياد مرتزق بوظيفة (صاحب العذاب) و هو من يقوم بتعذيب من لا يرضي عنه، و هي بادرة خطيرة في (الدولة الاسلامية) جعلت منها الانظمة التسليطية المشابهة سيفا سلطته فوق رؤوس الناس، فلم تكتف بقتلهم و قطع ارزاقهم و انما عمدت الي هذا الأسلوب الشائن في معاملة البشر.

لقد لجأ زياد من قبل الي هذا الأسلوب حينما سمل عيون معارضي الدولة و صلبهم علي جذوع النخل، غير أنه ربما لم يستحدث وظيفة مخصوصة لهذا الغرض.

و ربما كان ابن زياد أبرع من أبيه في هذه المضمار اذ جعل هذه الوظيفة دائمية لعل صاحبها يتفنن بمهنته و يتقنها الي الحد الذي يحقق طموح الجلاد و يسعده.


پاورقي

[1] الطبري 281 / 3 و ابن الأثير 388 / 3 و ابن کثير 160 / 8.

[2] نفس المصدر.

[3] الطبري 197 / 3.

[4] رواه الطبراني (کنز العمال) 11 - 190.

[5] معالم الفتن - سعيد أيوب ط 1 دار الکرام 1414 ه 231 - 230 عن السيوطي قال: (اخرجه الطبراني و البيهقي (الخصائص الکبري 2 / 254) و أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده و قال ابن حجر رجاله ثقات (الاصابة 5 / 250).