بازگشت

ابن زياد، بين دناءة الأصل و رفعة المنصب


و لو شئنا الحديث عن نسبه لقلنا أنه عبيدالله بن زياد بن أبيه، أو ابن سمية، البغي المشهورة في الجاهلية، و قد رأينا كيف استلحق معاوية أباه بأبيه، أبي سفيان، بعد أن رأي مصلحة في ذلك، ضاربا عرض الحائط بقوانين الاسلام و أعراف العرب علي السواء.

ففي خطبة الغدير نفسها، تلك الخطبة التي جعل فيها الرسول صلي الله عليه وآله وسلم ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام علي كل من يؤمن بالله و رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، و صرح بواضح القول أمام أكبر تجمع للمسلمين في عهده بعد أن أخذ بيده و رفعها أمامهم (من كنت مولاه فعلي مولاه.. اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله).


في تلك الخطبة نفسها التي اشتملت علي توصيات و تحذيرات عديدة ورد قوله صلي الله عليه وآله وسلم و كأنه يري المستقبل ببصيرته و علمه الذي علمه الله،: (لعن الله من ادعي الي غير أبيه، و لعن الله من تولي غير مواليه، الولد للفراش و للعاهر الحجر) [1] .

و كان الذي حذر منه الرسول صلي الله عليه وآله وسلم قد وقع، و كأنه كان يبدو بشكل متعمد، يحاول مخالفة البنود و التوصيات و التحذيرات التي وردت في خطبة الغدير.

و هذا الاستلحاق - الذي كشف جوانب فضيحة الزنا التي ارتكبها أبوسفيان و سمة أم زياد في الجاهلية - حدث في زمن الاسلام، و بعد حوالي نصف قرن من وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم فقط، يعيد قانونا جاهليا مندثرا الغاه الاسلام، و يشكل استهتارا مطلقا بكل أحكام الله و تشريعاته، كما يشكل استهانة بالأمة الاسلامية و كأنها لا شي ء أمام رغبة معاوية و زياد و مصالحهما.

و كان لذلك أثر نفسي علي الجميع، فالمستلحق ملعون علي لسان نبي الاسلام صلي الله عليه وآله وسلم و الأمة تري ذلك الانتهاك يقع من قبل أكبر مسؤول في الدولة الاسلامية و الذي يفترض فيه أن يكون أمينا علي تطبيق كل شرائع الاسلام الذي يحكم باسمه و قد نصب نفسه خليفة لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

و لم يكن زياد غبيا لكي لا يدرك الجانب الضعيف من المسألة كلها، و انها لا تعدو ان تكون مسرحية هزلية ابطالها معاوية و هو، و أنها مهما بلغت من قوة الحبكة و جودة الحوار و التمثيل، فانها لن تستطيع بالتالي اقناع الناس بشرعية مولده و انتمائه الصحيح لأبي سفيان، الذي لا يشرف المرء حقا الانتماء اليه، و انها لن تكون الا مدعاة لجلب المزيد من السخرية و الاستهزاء به، مهما بدا مخفيا و مهما أو غل في البطش و القتل و سفك الدماء.


نظرة السخرية و الاستنكار من المجتمع التي لا يستطيع زياد مقابلتها بنظرة مثلها، أو بنظرة واثقة تدل علي النسب الصحيح، قد تدفعها و تكفها يد غادره قاتلة تمسك السيف و السوط معا...

و لم يكن عبثا جدية ابن زياد و عبوسه و لجوئه الي الارهاب و القسوة، انه يفرض بذلك علي كل فرد الاعتراف بطهارة مولده و صحة نسبه، و يعوض عن نقصه بلجوئه لتلك القسوة المعلنة التي اشتهر بها، و اشتهر بها ابنه عبيدالله فيما بعد.

و لا شك ان عقدة ذلك النسب المغشوش قد انتقلت من الأب الي ابنه، يضاف الي ذلك ما لحق هذا الولد من أمه مرجانة المجوسية التي عرفت بالبغي أيضا، و التي طلقها «زياد» فتزوج بها شيرويه، و قد نشأ زياد في بيت شيرويه هذا. و تدل حادثة و رويت عرضا - ان ابن زياد - ربما تعرض لمن يسخر منه و من نسبه.

و انها ربما لم تكن المرة الأولي التي يتعرض فيها لذلك، و ربما كان ذلك في صغره أكثر، قبل أن يكون له جاه و سطوة و نفوذ.

قال له عبيدالله بن ظبيان التيمي، في معرض الاستهزاء به: (يرحم الله عمر بن الخطاب، كان يقول: اللهم اني أعوذ بك من الزانيات و ابناء الزانيات!

فقال عبيدالله بن زياد بن أبيه: يرحم الله عمر كان يقول: لم يقم جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر الا خرج مائقا) [2] .

لم يستطع دفع التهمة عن أمه أو مقابلتها بمثلها، و كل ما استطاع قوله لمن رمي أمه بالزني هو أن أمه حمقاء.

هل يستطيع أحد أن يدعي أن نشأة ابن زياد لم يكن لها تأثير علي نفسه و تصرفاته في أي وقت من الأوقات؟... و ان سليل الدنس و الزنا كان لا يتصدي بدافع عقدة النقص هذه، لسلالة الطهر و القداسة..؟


پاورقي

[1] رواه الطبري / الزوائد 4 / 15، عن زيد بن أرقم قال: «کنا مع رسول‏ الله صلي الله عليه وآله وسلم بغدير خم و نحن نرفع غضن عن رأسه فقال...» ثم ساق الحديث. و روي الحديث أحمد عن امامه قال (قال صلي الله عليه وآله وسلم: «الولد للفراش و للعاهر الحجر... و من ادعي الي غير أبيه أو انتمي الي غير مواليه فعليه لعنة الله الي يوم القيامة» رواه أحمد في الفتح الرباني 218، و روي أحمد و الشيخان في الفتح الرباني في 17 / 41 أن أبا عثمان لقي أبابکره فقال له: ما الذي صنعتم؟ اني سمعت سعد بن أبي‏وقاص يقول سمع باذنه من رسول‏ الله صلي الله عليه وآله وسلم و هو يقول: و من ادعي أبا في الاسلام غير أبيه و هو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام، فقال أبوبکرة: و أنا سمعت رسول‏ الله صلي الله عليه وآله وسلم کذلک.

[2] البيان و التبيين - الجاحظ - 242 - 2.