بازگشت

نتيجة طبيعية لانحراف الحكم


يمثل ابن زياد أحد رموز مجتمع الظلم الذي لا سيادة فيه لقانون الاسلام، و انما لرغبات الحاكم و نزواته و أهوائه.

و مع أنه أحد أعوان الظالم الذي يتصرف وحيدا بأمور الدولة - يزيد - و الذي يستأثر بالسلطة لنفسه و يخطط لجعلها في أولاده و ذريته من بعده؛ الا أن ابن زياد بتبنيه قضية ذلك الظالم و اعتبارها قضيته الشخصية، و اعتبار أي خروج عليه خروجا عليه هو و مسا بكرامته و حقوقه المزعومة المكتسبة بحكم الولاء و بجعل نفسه جزءا من يزيد.

و ببذل أقضي جهوده في سبيل استرضائه و كسب وده الذي كان قد فتر و خف في الفترة القليلة السابقة، بذلك كل جعل من نفسه جزءا اساسيا من دولة الظلم و رأي أن وجوده ضروري لادامتها و استمرارها.

و هكذا جعل يزيدا مثلا أعلي له، بدل المثل الأعلي الحقيقي الذي كان ينبغي أن يستجيب له استجابة حرة واعية في ظل أوضاع سليمة يسود فيها الاسلام حقا، فكان يزيد سيده و مولاه و صاحب القوة الوحيد بنظره.

و مع أنه قد شخص كأشد الظالمين عنفا و شراسة في التاريخ الاسلامي، الا أنه لم يعد - حتي بنظر نفسه - باستجابته الذليلة لسيده يزيد، سوي أحد أعوانه الكثيرين الذين تخلوا عن ارادتهم طواعية له، و اندفعوا لتنفيذ خططه و برامجه دون تحفظ و دون تساؤل عن طبيعتها و مغزاها.

و لربما ألقي تبعة أعماله و تصرفاته علي يزيد - لو كانت الظروف غير الظروف التي مارس فيها ظلمه - أو كان قد وفد علي ربه و ساءله عن سبب الظلم الذي أقدم عليه.

و قد اعتذر فعلا، - بعد ذلك - عن أفعاله المشينة التي ارتكبها و في مقدمتها
اقدامه علي قتل الحسين عليه السلام، فقد (قال لأحد أصحابه بعد هلاك يزيد: أما قتلي لحسين فانه أشار علي به يزيد بقته أو قتلي، فاخترت قتله) [1] .

لم يقل أنه كان يختلف مع الحسين عليه السلام في المواقف و وجهات الرأي، و أنه أقدم علي فعلته لأن الحسين عليه السلام كان يشق وحدة المسلمين و صفهم، و أنه قام بما قام به لأنه كان يعتقد صواب موقفه، و أنه كان عملا خالصا لله، و أنه كان يزيد به جمع وحدة المسلمين خلف امام عادل كيزيد، و انه كان مقتنعا حقا بعدالته و استقامته، و انما كان كل ما استطاع الاعتراف به هو أن كان يستجيب ليزيد تحت وطأة الخوف علي حياته، لأن يزيد كان بنظره مصدر القوة الوحيد القادر علي انهاء تلك الحياة أو جعلها تمتد الي مستقبل أفضل في ظله.

كان ابن زياد نتيجة طبيعية لانحراف الحكم و ابتعاده عن خط الاسلام، كما كان يزيد بالضبط، و قد كان أحد الذين يهمهم الحفاظ علي مصالح هذا الحكم و امتيازاته و سلطانه لأنه يستمد منه مصالحه و سلطانه هو.

و قد رأينا تبجحاته و صلفه امام مسلم و زين العابدين و زينب بعد ذلك، و هي تبجحات من لم يعتقد بالله أبدا و لم يؤمن به و لم يحسب أي حساب لموت أو آخرة أو جزاء.


پاورقي

[1] الکامل في التاريخ: ابن الاثير 474 / 3.