بازگشت

المجتمع المستهدف بالظلم


مستنقع تنمو فيه الجراثيم القائلة

10- ان مجتمعا مستهدفا بالظلم تبرز فيه ظواهر عديدة معظمها غير صحي و غير صحيح، فليس في هذا المجتمع أهمية لأي فرد الا بمقدار ما يقدهم من خدمات للدولة و الا بقدر طاعته لها و تفانيه في خدمتها و اتخاذه مقاييسها و مواصفاتها و اعرافها قانونا عاما له، كون هذه الدولة (اسلامية) ترفع الشعارات العامة للاسلام، أكسبها ذلك سلاحا تشهره علي من يعترضون علي تصرفاتها التي تستهدف تثبيتها و دعمها بالدرجة الأولي، و تحتج بأنها دولة مسلمة، مع أن قوانين الاسلام و تشريعاته آخر ما


تفكر بها، فهي تستبدلها بقوانينها هي مكتفية برفع اللافتة العامة الي تشير الي أنها دولة اسلامية، و كأنها تطلب من الناس الا يطلبوا منها غير ذلك.

و غالبا ما تنجح في مسعاها اذا كان معظم أبناء المجتمع مجردين من الرصيد الذي يجعلهم علي اتصال مستمر بشريعتهم الاسلامية، و تتركز اهتماماتهم بالأمور الحياتية البسيطة التي لا تتيح لهم التطلع الي اهتمامات عامة أخري و ينطبق عليهم وصف أميرالمؤمنين عليه السلام ب (الهمج الرعاع) الذين تتلاعب بهم قوي التأثير و ينعقون مع كل ناعق.

في مجتمع كهذا يسهل تجنيد الاغلبية بأقل الكلف و الأثمان، و غالبا ما تجد من يتطوع ليكون عينا علي اخوانه حتي دون مقابل سوي نظرة رضا من زعيم أو شيخ قبيلة متنفذ أو عريف أو نقيب أو حتي أحدا أفراد الشرطة العاديين.

و أصبح رئيس الدولة أو ممثله رمزا وحيدا بديلا حتي عن الذي استخلف من قبله (اذا صح ما زعمه حقا) و هو الله جل و علا، و أصبحت رغباته و اهواؤه هي القانون الوحيد، فكان رد الفعل الأول هو ألا يعمد من يريد الاحتجاج علي تصرفاته و انتهاكاته، الي اعلان ذلك صراحة، و أن لا يكون المكان الطبيعي لقوي المعارضة الأماكن العامة المكشوفة المعروضة امام العيون و الرقباء و الجواسيس و أعوان الدولة، و ان يعمد العديدون من أبناء المجتمع الي اظهار غير ما يكنون و أن تكون مشاعرهم شعاراتهم المعلنة غير تلك التي يعتقدون بها حقا.

من هنا، ظهرت بوادر ازدواجية بالسلوك قد تكون الطابع المميز في مجتمع الظلم، و أصبح ذلك أحد وسائل الحماية من ظلم الدولة و جورها، و اذا ما استمرت حالة الظلم و ذلك السلوك المزدوج، الواعي و المحسوب، في البداية، فانه سيكون حالة سائدة تنطلق بلا وعي لتكون هي الحالة الشائعة في الأجيال القادمة فيما بعد.

و كأن الآباء الذين أرسوا ذلك بدافع من حماية الذات ضد الدولة الجائرة، و اعتادوا عليه، و ضعوا قانونا لأبنائهم في هذا المجال.

و من هنا نشهد اتهام مجتمع الكوفة دون غيره بظاهرة التقلب و التلون، و لا شك أنها نشأت في أعقاب تسلط الدولة الأموية علي كل مقدرات المسلمين، و لم يكن غيرهم - ممن انحازوا للنظام الأموي - بحاجة الي ذلك و خصوصا أهل الشام لأنهم


تبنوا مواقف و أهداف الدولة و أعلنوا ولاءهم المطلق لحاكمها منذ البداية دون قيد أو شرط و لأنهم كانوا نتاج تربيتها و اعدادها منذ البداية.