بازگشت

مجتمع الشك


2 - ان مجتمع الكوفة مجتمع يقظ، لأنه يعيش في جو متحرك و أحداث متسارعة و متغيرات، و لأنه يشكل طليعة مقاتلي الاسلام و منهم من شارك في عدة حروب حتي منذ عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في بدر و غيرها و انتهاء بالقادسية، و لأن فيه أبناء المقاتلين الذين استشهدوا في سبيل الاسلام و عوائلهم. و كانوا يرون لأنفسهم حقا لأنهم في مقدمة المضحين.

من هنا، ان أي حدث ما كان ليمر أمامهم مهما كان بسيطا دون أن يتناولوه من زوايا عديدة و وفق و جهات نظر معينة، فمجتمعهم ليس مجتمعا راكدا متجانسا يدين بالولاء لشخص معين أو طائفة معينة، حتي تمر عليه الأحداث و تمرر عليه الخطط دون أن يحرك ساكنا.

و كان الشك و الحذر أحد الأمور الرئيسية التي طبعته بطابعها، و هكذا وصل


الأمر به الي التشكيك حتي ببعض مواقف أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه، بعد أن استطاع معاوية مع أركان حزبه أن يلعبوا لعبتهم الماكرة في (التحكيم) مما جعل هذا المجتمع ينشق بشكل نهائي و تبرز فيه جماعية (الخوارج) المتعصبة التي تأخذ بظاهر الكتاب و تفسره علي هواها.

و حتي بعد القضاء علي الموجة الأولي منهم، بيد أميرالمؤمنين عليه السلام اتسع الشق بين أقارب هؤلاء و عوائلهم و قبائلهم الذين كانوا ضمن جيش الامام، و أصبحوا مستهدفين بعد ذلك لأكبر حملة اعلامية مظلة بقيادة معاوية و الرتل الخامس (المخبرين و العملاء) من أتباعه في الكوفة نفسها.

ان الكوفيين و قد رأوا أنهم كانوا في مقدمة المضحين، ثم فاز بالمكاسب من لم يكن قد قدم ما قدموا، و وصل الأمر الي حد اضطهادهم و ايقاع الظلم و الأذي بهم أحسوا باحباط شديد نتيجة ذلك، جعل الكثيرين منهم، يتوسلون بنفس الوسائل المصلحية التي توسل بها أعداؤهم لضمان مصالحهم أو لحماية أنفسهم علي الأقل.