بازگشت

مجتمع مستحدث


1 - ان مجتمع الكوفة مجتمع مستحدث يضم اخلاطا من الناس من مختلف الأجناس و الديان و الانحدارات و البيئات، و في مجتمع كهذا، فارق كل واحد من أبنائه بيئته الأصلية بعد ارتباطه عاطفيا و شعوريا قديما، يجد هؤلاء صعوبة في التطبع مع (الغرباء) من أبناء القبائل و الاجناس الأخري الذين جمعتهم معهم وحدة الانتماء العسكري بعد القادسية و انشاء الكوفة لتكون حامية للجند و مركز القوة الضاربة لجيش الاسلام.

و ليس من الهين علي من اعتادوا حياة البداوة و جو الصحراء المفتوح الفسيح و مع أشخاص علي شاكلتهم و طباعهم أن ينسجموا مع (أغراب)، حتي و ان كانوا من قبيلتهم أو قبائل قريبة لهم ضمن دور محدودة المساحة و شوارع و أزقة لا يستطيعون النفاذ الي العالم الا من خلالها.

و لابد أن يولد الاختلاط الواسع شعورا بعدم الراحة و الاطمئنان و الشعور بالغربة و الحرص علي السلامة الشخصية و المكسب الشخصي و التحفظ حيال الآخرين، و اعتماد بعض قيم العصبية البالية بشكل ملحوظ، مما يولد بالتالي بعض المشاكل و الصعوبات تزداد بمرور الزمن.

ان تعايش كل انماط الحياة الغربية عن بعضها في جو واحد و بشكل مفاجي ء و بسرعة قياسية من شأنه أن يخلق مجتمعا لا منتميا في النهاية.

و قد سبق القول أن أميرالمؤمنين عليه السلام أراد أن يجعل من مجتمع الكوفة الي ضم صفوة مقاتلي الاسلام في البداية، معسكرا دائميا لطلائع الاسلام و محاربيه الاصلاء، و يقف بهم بمواجهة التيارات التي أعلنت الحرب علي الاسلام مع أنها أعلنت الانضمام اليه و تلك التي حسبت ان مصالحها سوف تتضرر في ظل دولة الاسلام العادلة.

و يبدو أن أعداءه أدركوا السبب الذي جعله يغادر المدينة، حيث مقر الأحزاب القرشية و القوي المتصارعة الأخري التي تسلل قسم منها و اتخذ له مناطق نفوذ في أماكن أخري من الدولة الاسلامية كالشام مثلا، و علموا انه اذا ما نجح بتجميع أولئك


القائلين الأوائل و أبنائهم و من سيلحق بهم فان ذلك سيشكل أكبر نكسة يمكن أن تحل بهم و لن يستطيعوا النهوض بعدها.

و هكذا كان تركيز معاوية و الحزب القرشي المعادي للاسلام موجها بشكل متوازن لتحقيق أمرين:

أ - تفتيت مجتمع الكوفة كتجمع اسلامي يشكل قوة ضاربة سريعة مستعدة في أي وقت للانتصار للاسلام و رفد حملات الفتح و نشر الدعوة، و جعله مجرد تجمع قبلي يفكر كل فرد فيه بنفسه و سلامته الشخصية و قبيلته كحام أول له، و كان سعي معاوية بهذ الاتجاه بارزا و واضحا و اتخذ أساليب متعددة.

ب - انشاء مجتمع موحد الأهداف و النظرات غير أنه بعيد عن الاسلام، و جعل القوة الضاربة الأساسية المتمثلة بالجيش من بين أبنائه، ليتم بهم لا مجرد توسيع الفتوح - التي لابد أن أهدافها تختلف عن أهداف سابقاتها و انما ضرب أية حركة أو تمرد أو عصيان أو معارضة، و قد نجح معاوية بذلك الي أبعد حد، و أصبح الجيش قوة أسطورية في شراسته و أساليبه غير المشروعة، يخيفون به كل من أقدم علي معارضتهم برأي أو فعل.

و كان مجرد التلويح به لأهل الكوفة بعد القضاء علي ثورة مسلم كافيا لارهاب الناس و جعلهم ينكمشون و يتراجعون و يخلون بين مسلم و عدوه.