بازگشت

اهداف دولة الظلم


الفئة الجاهلة، الفئة الأوسع

و بدا واضحا، أن من أهداف دولة الظلم الأموية الأساسية ايصال الاعداد الغفيرة من أبناء المجتمع الاسلامي لا في العراق وحده، و انما في كل أقطار الاسلام، الي حال تصنف فيه ضمن الفئة الثالثة من عناصر المجتمع التي وصفها أميرالمؤمنين عليه السلام بقوله: (الناس ثلاثة، فعالم رباني، و متعلم علي سبيل نجاة و همج رعاع، اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤا بنور العلم، و لم يلجأوا الي ركن وثيق) [1] .

فهؤلاء ليس لهم من العلم أو قوة المبدأ ما يمكن أن يعصمهم من التأثر السريع بمختلف التيارات و القوي الموجودة علي الساحة و التي يمكن أن تتلاعب بهم و توجههم وفق أهوائها و مصالحها، انهم كتلة بشرية واسعة تكمن قوتها باجتماعها، فهم علي حد تعبير أميرالمؤمنين عليه السلام أيضا (اذا اجتمعوا غلبوا و اذا تفرقوا لم يعرفوا) [2] .

فهم كقطيع من الأنعام، متشابه الملامح و التصرفات و الأشكال، و سلوك أي واحد منهم مرهون بسلوك القطيع كله، و اذا ما اجتمعوا شكلوا موجة قوية قد لا تقف أمامها أي قوة أخري، و لأنهم لم يتميزوا بعلم أو بجاه أو مركز اجتماعي، فلا يكاد المرء يعني بالتعرف علي أي منهم، و لا يكاد يميز اشكالهم المتكررة المعادة التي لا يجد علامة مميزة لتذكرها.

ان أي واحد منهم بمفرده قد لا يثير الانتباه بموهبة أو علم أو فن أو صنعة نادرة أو أدب رفيع.. كل فرد منهم يشكل عنصرا من عناصر المجتمع، يتأثر و لا يؤثر و لا يبدع أو يفكر الا في حدود حياته و التزاماته اليومية البسيطة المتكررة أيضا... و من هنا جاء وصف الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم لهم بأنهم (... لا يعبأ الله بهم) [3] .

و قد لفتت مبادرة معاوية و محاولاته لتوسع هذه الفئة الجاهلة في أهل الشام و جعلها الفئة الأوسع، علي حساب تقليص الفئة العالمة و الواعية من المجتمع، نظر


المؤرخ الكبير، المسعودي، فذكر لنا الأثر الذي تركه فيهم معاوية في النهاية و نجاحه بجعلهم ينظرون اليه كأعظم شخصية بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و جعله في مركز الضوء و الاشعاع الوحيد الذي يمكن أن تتجه اليه الأنظار و ترمقه باحترام كبير كبديل طبيعي للرسول صلي الله عليه وآله وسلم...

(ثم تدبر تفرقهم في أحوالهم و مذاهبهم، فانظر الي اجتماع ملئهم عليه، ان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم أقام يدعو الخلق الي الله اثنتين و عشرين سنة، و هو ينزل عليه الوحي، و يمليه علي أصحابه فيكتبونه و يدونونه و يلتقطونه لفظة لفظة، و كان معاوية في هذه المدة بحيث علم الله - ثم كتب له صلي الله عليه وآله وسلم قبل وفاته بشهور، فشادوا بذكره، و رفعوا من منزلته بأن جعلوه كاتبا للوحي، و عظموه بهذا، و أضافوه اليها، و سلبوها عن غيره، و اسقطوا ذكر سواه...) [4] و هو أمر جند له معاوية قوي كبيرة و وظف له كل امكانات الدولة... حتي امتد تأثيره علي أجيال لاحقة من المبهورين المفرغين المجردين من كل كفاءة و وعي، لأن من قاموا بتلك الحملة الاعلامية كان لهم أيضا تأثير و شهرة و بريق، و كان ينبغي أن يكون لهم ذلك لنيجحوا في حملة الدعوة لمعاوية باعتباره أكبر شخصية بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم حسب ما روجوا له.

لقد أراد معاوية أن يجعل من أهل الشام النموذج الشائع المطلوب - كما رأينا من قبل - و قد أشاد بهم مرارا باعتبار (أن الله أكرم هذا الأمر بأهل الشام الذابين عن بيضته التاركين لمحارمه) [5] . و أراد بالمقابل التقليل من شأن أعدائهم التقليديين في ذلك الحين، و هم أهل العراق، و قد عاب عليهم سيرهم خلف أميرالمؤمنين عليه السلام و كان بذلك يريدهم أن ينحازوا اليه كلية كأهل الشام و يكونوا مثلهم في غفلتهم و جهلهم، و عندها فقط سينالون رضاه بعد أن يشكلهم بالصورة التي يريد و مع أنه يعلن ذلك صراحة، الا أنه كان غالبا ما يصفهم و قد وقفوا ضده ب (المنتهكين لمحارم الله، و المحلين ما حرم الله، و المحرمين ما أحل الله..) [6] و ماذا يمكن أن يقول عنهم غير ذلك و هم لم يستجيبوا له، و قد تمردوا علي سلطته، حتي بعد أن ملك و تمكن.


و ماذا يمكن أن يقوله عن أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه بعد أن قرر اتخاذ أسلوب السباب المباشر ضده...؟ هل كان يمكن أن يقول هذا علي كما وصفه الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم و الكتاب المجيد و أشادا به، و مع ذلك فأنا أسبه و آمر بسبه؟... أم أنه كان سيلجأ الي حملة شديدة من التزوير و التلفيق بحقه ليظهره بمظهر المستحق لهذا السباب الذي جعله جزءا من فروض عبادة أهل الشام و غيرهم؟

لقد كان يدرك أن بين صفوف أهل العراق من يكن الحقد و العداوة و الكراهية لهذا النمط الفرعوني الجديد من الحكم بزعامته، استقلالية هؤلاء، و عدم تأثرهم بألا عيبه و ميلهم للنقد البناء و صحواتهم المتكررة بعد أن أدركوا اخطاء مجتمعهم الذي كا يساق لتبني مواقف الظلم و الذي كان يجر الي مهاوي الانحراف، جعلت معاوية يدرك أن عوامل الصحوة موجودة دائما يمكن أن تثير أهل و تحفزهم ضده.

كان مجتمع الكوفة مجتمعا مفتوحا لم يتلق الاسلام عن طريق معاوية و حزبه و شيعته، و لم ينظر اليه بمنظاره و عينيه، و قد سنحت له فرصة القرب من أميرالمؤمنين عليه السلام و رأوا فيه ما لم يروا في غيره و لم تستطع الدعايات المضللة أن تغشهم بشأنه، رأوا فيه صورة واضحة للاسلام نفسه، و ناطقا حقيقا باسمه، و مجسدا لتعاليمه و أحكامه و مبادئه، و مطبقا عادلا لقوانينه.

كما أنهم رأوا معاوية في صورته الحقيقية أيضا، و التي لم يرسمها بريشته هو، لهم، بل بالصورة التي كان يبدو عليها فعلا.

كما كان معاوية يحسب الف حساب لأهل العراق (و شرهم) و اجتماعهم، و ربما صح عنه ما قال في وصيته ليزيد بشأنهم قبيل موته.

(و انظر أهل العراق، فان سألوك ان تعزل عنهم كل يوم عاملا فافعل، فان عزل عامل أحب الي من أن تشهر عليك مائة الف سيف) [7] .



پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة 691 و مروج الذهب 43 / 3.

[2] نهج‏ البلاغة 712.

[3] المسعودي - مروج الذهب 43 / 3.

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق 50 / 3.

[6] المصدر السابق.

[7] الطبري 260 / 3 و قال له بشأن أهل الشام أيضا (... و انظر أهل الشام فليکونوا بطانتک و عيبتک، فان نابک شي‏ء من عدوک فانتصر بهم، فاذا أصبتهم فاردد أهل الشام الي بلادهم، فانهم ان أقاموا بغير بلادهم أخذوا بغير أخلاقهم...) و يبدو من کلامه أنه کان يريد عزلهم و عدم تواصلهم مع الآخرين و يخشي عليهم من قوي التأثير الأخري في البلاد الاسلامية.