بازگشت

معالم الانحراف و أبطاله


القلوب معك و السيوف مع بني أمية

ان مسألة تحويل المجتمع الاسلامي الي الشكل الذي أصبح عليه في عهد معاوية و يزيد بعد ذلك و من جاء بعدهما من (الخلفاء) موضوع لدراسات اجتماعية و تاريخية مفيدة، نستطيع من خلالها وضع أيدينا علي الطريقة التي تحول بها المجتمع الاسلامي الي مجتمع لا يحمل مواصفات الأمة المسلمة الأولي و مقوماتها.

و قد شخص أميرالمؤمنين عليه السلام الحال الذي أوصل معاوية أهل الشام اليه، و قد رأي ببصيرته الصادقة أنه سيستمر في نهجه لتحويل الأمة كلها عبيدا و اتباعا للدولة التي يعمل علي تأسيسها (و أيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي، كالناب الضروس... لا يزالون بكم حتي لا يتركوا منكم الا نافعا لهم أو غير ضائر بهم. و لا يزال بلاؤهم، حتي لا يكون انتصار أحدكم منهم الا كانتصار العبد من ربه و الصاحب من مستصحبه، ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية، و قطعا جاهلية، ليس فيها منار هدي و لا علم يري...) [1] .

(و الله لا يزالون حتي لا يدعوا لله محرما استحلوه، و لا عقدا الا حلوه،


و حتي لا يبقي بيت مدر و لا و بر لا دخله ظلمهم و نابه سوء دعيهم، و حتي يقوم الباكيان، يبكيان، باك يبكي لدينه، و باك يبكي لدنياه، و حتي تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده، اذا شهد اطاعه، و اذا غاب اغتابه... أعظمكم فيها غناء أحسنكم بالله ظنا» [2] .

و لم يكن ما قاله الامام عليه السلام رجما بالغيب، و انما جاء تأكيده علي أن الأمة ستشهد تلك الأوضاع المأساوية كنتيجة حتمية لاستسلامها و وقوعها فريسة و لقمة سائغة بين يدي معاوية، و نتيجة تخليها عن رسالتها و مبدئها، و سوف نري مصداق وصف الامام عليه السلام لهذا المجتمع عندما نتمعن فيه و ندرسه خلال الفترة التي بدأت من دخول مسلم الكوفة و استمرت مجي ء الامام الحسين عليه السلام و مقتله في كربلاء، اذ ستبرز أمامنا العديد من اللوحات المحزنة التي ترينا الحال السيئة التي وصل اليها الناس، رغم رغبتهم تخطي هذه الحال، الا أن عجزهم عن ذلك يشير الي عمق الهوة التي تردوا فيها و ما عادوا يشعرون بقدرة علي التخلص منها...

و لعل تلك الحال المتذبذبة بين الرغبة في النهوض بين يدي امام الامة لاكمال شوط المسيرة الاسلامية الصحيح، و بيت التخاذل عند ظهور بوادر الشدة الأموية، هي التي جعلت الفرزدق الشاعر يصف أهل الكوفة للحسين عليه السلام بقوله:

(القلوب معك و السيوف مع بني أمية) [3] .

و جعلت مجمع بن عبدالله العامري يقول:

(و أما سائر الناس فان قلوبهم تهوي اليك، و سيوفهم غدا مشهورة عليك) [4] .

الي غير ذلك من الأقوال المشابهة التي تؤكد هذا المعني.

فقد كانت الايدي اتي تمسك هذه السيوف ضعيفة لا تملك الا أن تكون بمستوي القلوب الضعيفة التي فقدت حماسها و قدرتها علي الصمود و شعورها بالمسؤولية الرسالية تجاه الأمة و حرصها و غيرتها علي الدين الذي حاربت من أجله و رأته في النهاية رهينة بيد الطغمة التي ناوأته قبل ذلك و شنت عليه الحرب.



پاورقي

[1] نهج‏ البلاغة / 235.

[2] المصدر السابق 242 - 241.

[3] الطبري 308 - 296 / 3 و ابن الأثير 409 / 3 و ابن کثير 169 / 8.

[4] المصدر السابق.