بازگشت

يد تحمل السيف و يد تقدم الرشوة


أسفر معاوية عن وجهه أمام أهل العراق بعد قيامه باغتيال الامام الحسين عليه السلام بالسم، عندما أبلغهم صراحة أنه لم يكن يقاتلهم ليصوموا أو ليصلوا أو ليحجوا أو ليزكوا و قد علم أنهم كانوا يفعلون ذلك، و انما قاتلهم ليتأمر عليهم، هكذا نسخ قانون الاسلام و مفهوم الخلافة فيه.

أخبرهم أنه جعل الامارة الهدف النهائي له، و أراد أن يقر في أذهانهم أنهم اذا ما تحدوا هذه الامارة و وقفوا في وجهه، فان عليهم أن يتوقعوا منه حربا مدمرة، و في هذه المرة سترجح كفته، لأنهم الآن بغير قائد بعد تخليهم عن قادتهم الحقيقيين، و كان تصريحه هذا يشكل أكبر تهديد و تحد لهم.

و لم يكن هذا هو الأسلوب الوحيد الذي اتبعه معهم، فقد حاول أن يشق صفوفهم و يفرقهم باستمالة بعضهم الي جانبه و استرضائهم بالأموال و المناصب و السلطة و الجاه، اضافة لأسلوب الارهاب الذي عمد اليه فعلا.

و ربما كان أسلوب الرشوة بالأموال و المناصب هو أنجع الأساليب و أكثرها فائدة بالنسبة له، كما أنه برميه اياهم بزياد الذي كان محسوبا عليهم فيما مضي و مطلعا علي أمورهم، و الذي كان يأخذ الناس علي الظن و التهمة و الشك و يوغل في القتل و الدماء و الجريمة لأتفه سبب، و ربما بدون سبب في أغلب الأحيان، و الذي أصبح أسطورة يتناقلها الناس، و لعل تهديدات ابن زياد فيما بعد بأنه كان من أشبه الناس


بأبيه، و قد تشبه به فعلا، كان لها أكبر الأثر في القضاء علي ثورة مسلم في الكوفة و سحب الثورة المتجمعة في البصرة، و قد أتيح لمعاوية عن طريق زياد أن يرسي طريقة جديدة للحكم لم يكن يلجأ اليها في الظاهر و هي أسلوب العنف و الارهاب و البطش، و تعزيز نظام الشرطة و الشرطة السرية (العيون) و العرفاء، و وضعهم كقوة مقابلة لقوة رؤساء القبائل و غيرهم لاقامة موازنة تضمن وقوع الجميع في قبضته و بين يديه، ان وجود هذا القوة الموظفة المستخدمة للدولة و هي قوة الشرطة و العرفاء، تتلقي أجورها منها مباشرة لقاء خدماتها و تنفذ أوامرها دون مناقشة أو تردد، جعل ولاءها للدولة و رموزها بشكل غير محدود - فهي قوة مشتراة اذا صح التعبير باعت ولاءها بثمن محدود قبضته سلفا و حددت مواعيد ثابتة لقبضه في المستقبل.

ان مركز أفراد هذه القوة تعزز في ظل دولة الظلم و الغشم و العسف، و برز وجودها الطفيلي المتضخم علي حساب البنية الاجتماعية السليمة، لأن همتها هي حماية مصالح قيادة الدولة و حسب، مهما كانت اتجاهات هذه القيادة.

و اذا ما أضفنا الي ذلك أسلوب الرشوة و العطاء الكيفي من قبل السلطة التي استأثرت بكل أموال الأمة، أدركنا الي أي حد نجح معاوية في تفتيت المجتمع الاسلامي في العراق خاصة و كبته و اخضاعه، في وقت مر فيه هذا المجتمع بتجربة كبيرة مع أميرالمؤمنين عليه السلام الذي اغتيل في النهاية و أدي ذلك الي قيام أكبر مؤامرة علي الاسلام انتهت بتولي معاوية شؤون الخلافة.

و ربما كان في ذلك خيبة أمل كبيرة لديهم هزت نفوسهم و زعزعت تصوراتهم الصحيحة عن الاسلام نفسه، خصوصا و ان حملة ما كرة كانت تجري فعلا لايجاد تصورات جديدة عن معاوية، اذا لم يستطع العديدون منهم ان يفهموا كيف أن عدو الاسلام نفسه هو الذي سيطر علي مقدرات الأمة الاسلامية في نهاية المطاف.