بازگشت

مجتمع مستهدف لابد من تحطيمه من الداخل


و عندما تستتب الأمور لمعاوية في النهاية، و يلتفت الي ملكه الواسع العريض، فانه لابد أن يجد أسبقيات في العمل، يري أن يضعها أمامه، و في مقدمتها سد الثغرات التي يري أنها قد تكون خطرا عليه أول علي من سيأتي بعده من أبنائه.

و كان لابد أن يري في أهل العراق الخطر الأول، و قد عاني فيما سبق ما عاني منهم، بعد أن ساروا خلف أميرالمؤمنين عليه السلام لحربه و كانت منهم طليعة عقائدية واسعة لا تزال اعداد كبيرة منها تشكل ثقلا اجتماعيا ملحوظا.

كان معاوية يري أن عليه اخضاع مجتمع العراق هذا، الممثل بمجتمع الكوفة، اما باستمالة بعض عناصره المؤثرة و القوية الي جانبه أو بضرب و قمع الذين لا يري أملا بجعلهم يستجيبون له، كما فعل مع حجر بن عدي الكندي و أصحابه حينما أقدم علي قتلهم صبرا، و هي أول بادرة تحصل في الاسلام و في ظل (الدولة الاسلامية) ضد رعاياها المسلمين، أو باستعمال اشد العمال قسوة و وحشة عليهم، مثل زياد بن أبيه.

و كان العراقيون رغم هدوئهم و استجابتهم الظاهرية لمعاوية و عماله، يتوقون لتلك الأيام التي وقفوا فيها خلف أميرالمؤمنين عليه السلام و عاشوا في ظل دولته العادلة، و يحنون اليها و يستعيدون السيرة الوضاءة للامام، و يتطلعون الي من يسير فيهم سيرته و يأخذهم بعدله و استقامته، و كانوا يتطلعون الي له عليهم السلام من بعده، مع أنهم قد تخلوا في النهاية عن الامام الحسين عليه السلام بفعل ضغوط معاوية و اغراءاته و خططه.

و قد رأينا كيف أنهم راسلوا الحسين عليه السلام و دعوه الي الثورة علي معاوية، الا أنه لم يستجب لهم في ذلك الوقت لأنهم قد يتخلون عنه كما تخلوا عن أخيه من قبل،


بعد أن أصبح معاوة أكثر قوة، و لأن الظروف الموضوعية للثورة لم تكن معدة بعد، و لأن معاوية لو ثار عليه الحسين عليه السلام لما اكتفي بقمع الثورة و استئصال القائمين بها و حسب، و انما كان سيعمد الي عرضهم أمام الأمة كخوارج أو ذوي مطامع خاصة و مفرقين لوحدة الأمة و جمعها و لسود صورهم أمامها بما كان يملك من الوسئل العديدة التي جعلت منه هو نفسه أقرب المقربين الي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم بنظر العديد من أبناء الأمة، و في مقدمتهم أهل الشام بما افتراه من أحاديث مزورة علي لسان الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم نفسه و بما وضع من أقاصيص و روايات، و دفع للعديد من محتر في الدين و الفقه و القصة ليروجوها بين الناس بشكل مقبول ينطلي علي السذج و البسطاء منهم، و كان حريا به أن يعمد الي خطة من خططه الجهنمية لتشوية ثورة الحسين عليه السلام ضده لو أنه قام بها في عهده.