بازگشت

اميرالمؤمنين و تكوين الطليعة العقائدية


أراد أميرالمؤمنين عليه السلام، عند انتقاله من المدينة الي الكوفة و جعلها مركز الخلافة الاسلامية، اشاء و تربية طليعة عقائدية جديدة واعية تسير خلفه لانجاز كل المهمات التي كان عليه انجازها، و في مقدمتها ايقاف الانحراف الذي تعرضت له الامة الاسلامية و الفوضي التي عمت ارجاء الوطن الاسلامي جراء الاستئثار بالحكم، و تكون طبقات جديدة استأثرت بالأموال العامة بحجج و أساليب مختلفة و كونت لها جاها و مركزا متميزا باسم الاسلام و في ظله، مع أنها لم تلتحق بركبه الا في وقت متأخر و قبيل وفاة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم بعدة أشهر.

و كان في مقدمة من ينبغي التصدي لهم معاوية بن أبي سفيان و جماعة آخرون أعلنوا خروجهم علي الامام و حربهم له تحت ذرائع مختلفة، و قد أوضحنا في غضون هذا الكتاب الحجج و الأسباب التي أعلنوها مبررين بها خروجهم علي أميرالمؤمنين عليه السلام و حربهم له فيما بعد.

كانت المهمات التي نهض بها أميرالمؤمنين عليه السلام ثقيلة و متعددة، و كان من شأنها أن ترهق أهل العراق الذين ذهبوا معه عدة مرات تاركين وطنهم و عوائلهم لمحاربة معاوية و أعوانه و فقدوا آلافا منهم في سوح المعارك، كما كان من نتيجتها أيضا وجود الآلاف من الأرامل و الأيتام في الكوفة خاصة.

و قد تعب الكثيرون منهم في النهاية، و وجد معاوية لدي بعضهم ممن لم يستطيعوا تحقيق طموحاتهم غير المشروعة في ظل الامام من الأشراف و رؤساء القبائل، آذانا صاغية ليدس فيها ما يتيح له استمالتهم الي جانبه و تجنيدهم في خدمته طابورا خامسا يثيرون الناس علي أميرالمؤمنين عليه السلام و يخذلونهم عن الحرب معه والي جانبه و يجعلونهم يتكاسلون عن نصرته و يثيرون حوله الشكوك و الاقاويل


و ينشئون الاحزاب و الفرق المعادية له بمختلف الحجج و لشتي الأسباب، كفرقة الخوارج، و قد تحدثت عن ذلك كتب التاريخ باسهاب.

حتي سئم أميرالمؤمنين عليه السلام منهم في نهاية المطاف و قد جرعوه غيظا و حزنا و تمني الموت أو القتل ليفد علي ربه الكريم و يتخلص من أولئك الذين لم تثرهم حمية الاسلام و جبنوا عن مواجهة باطل أعدائهم الواضح المعلن، اذ أدراك أنهم لم يعودوا بمستوي المهام التي انتدبهم لتحقيقها تحت قيادته، و كان اداؤهم يسجل انخفاضا كبيرا عن نقطة الشروع الأولي في بداية سني حكمه القصيرة التي لم تبلغ عدد أصابع اليد الواحدة.

لقد كان أميرالمؤمنين عليه السلام يحاول استنهاضهم دائما، و كان يأمل أن تكون الطليعة العقائدية منهم و من غيرهم في نهاية المطاف، حتي و لو امتدت الاعوام لتخرج هذه الطليعة في زمن غير زمنه و ربما في غير زمن أبنائه أيضا، و كان يأمل أن يكون انتماؤهم للاسلام حقيقا، و موقعهم منه قريبا في كل زمان و هو نفس توجه الرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم أيضا من قبل اذ أن هذا الدين، و قد أنزل كخاتم للديانات لا يختص بزمن نزوله، و انما تمتد مهمته مع الناس الي نهاية الزمن الذي تحدد لهم أن يعيشوه علي هذه الأرض، و يتعامل مع مختلف الأجيال في مختلف الأمكنة و يريد أن تظهر منهم الطلائع العقائدية التي تأخذ بأيديهم جميعا الي حيث يضعونه منهجا وحيدا لتنظيم حياتهم و تحقيق سعادتهم.

و لا عجب أن نجد أن كل توجه من الرسول صلي الله عليه وآله وسلم أو من أحد أوصيائه كان ينصب في هذا الاتجاه، اتجاه تربية المسلمين و اعدادهم لتقبل الاسلام.

و رغم ابعاد الائمة عليهم السلام عن المناصب القيادية التي أهلوا و أعدوا لها اعداد خاصا من قبل رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، و رغم شعورهم بالغبن و الظلم عليهم و علي الأمة نتيجة ذلك، فان عملهم كشهداء علي الأمة و مربين لها، يصححون ما يمكن تصحيحه من أوضاعها و انحرافات الحكم فيها جعلهم يرسون قواعد ثابتة، لابد أن يؤخذ بها في المستقبل لتكون أساسا لأوضاع مستقرة قائمة علي أساس الاسلام و مناهجه، دون أن تشوبها شوائب الشرك أو الجاهليات المستحدثة؛ فقد (كانوا يعملون عملا مهما


جدا لانقاذ وجود الأمة في المستقبل، و ضمان عدم انهيارها الكامل و تفتتها كأمة بعد سقوط التجربة، و ذلك باعطاة التحصين الكامل المستمر لها) [1] .


پاورقي

[1] الشهيد الصدر - أهل البيت - 132.