بازگشت

اللهم تقبل منا هذا القربان


لقد أقدم الحسين عليه السلام، و هو بكامل وعيه و ارادته علي ثورته التي كان يعلم أنها ستنتهي باستشهاده، و سار أمام أنظار الأمة كلها الي كربلاء متحديا النظام الشرس المتسلط، و لم يختطف من دراه و من بين عياله دون أن يفعل شيئا ضد هذا النظام، ليجلس هؤلاء و نجلس نحن أيضا ذارفين الدموع علي هذه المظلومية التي استهدفت


الامام الحسين عليه السلام خاصة، بل لتكون دموعنا مقرونة بفعل لاخراج هذه الأمة من ظلمات الشرك و الانحراف الي نور الايمان و الاسلام.

دموعنا ينبغي أن تكون من أجل هذه الأمة التي بكي الحسين من أجلها أيضا و قدم دمه في سبيل حياتها و بقائها و ديمومتها أمة اسلامية حقا.

و من أجدر بفهم رسالة الحسين عليه السلام من آل الحسين؟

ألم تكن زينب و أم كلثوم و غيرهما من بيت الوحي علي مستوي فهم تلك الرسالة لكي لا تستجيبا لكل ما أراده من ثورته و طلبة من أصحابه و أهله؟

لا شك أن الوعي الذي حملتاه كان جديرا أن يجعلهما قادرتين علي تحمل مسؤولية قيادة ركب النساء و الأطفال بأمان حتي المدينة، و جعل مسيرة العودة ذات ثمار كبيرة و مفعول أكيد لتوعية الأمة و تبصيرها بالغرض الذي جاء من أجله الامام الي كربلاء، و تبصيرها بواقعها السي ء في ظل الحكم الأموي المنحرف.

تقدمت زينب موكب النساء المذعورات و الأطفال الباكين، بعد مصرع الحسين عليه السلام الي جسده الطاهر و هي تنادي:

(وا محمداه، وا جداه، هذا حسين بالعراء، مرمل بالدماء، مقطع الأعضاء، و بناتك سبايا، و ذريتك مقتلة، فأبكت كل عدو و صديق). [1] .

و كأنها اذ تنادي جدها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، تحاول تذكير الجميع بهوية من أقدموا علي قتله و استباحة دمه، لكي يدرك عظم الجريمة التي أقدم عليها، فلا يتمادي أكثر من الحد الذي تمادي فيه، و لكي يتراجع عن موقفه فيما بعد.

ثم وقفت علي الجسد الطاهر، و بسطت يديها تحته محاولة رفعه نحو السماء و هي تقول:

(اللهم تقبل منا هذا القربان). [2] .

حتي أنها كانت في بعض الأحيان تسلي الامام زين العابدين عليه السلام عندما اشتد به المرض و الحزن و الكرب.


ان استيعاب الأدوار العديدة التي قام بها الامام الحسين عليه السلام في وقت واحد، لادارة المعركة و توجيهها بالشكل الذي يمكن فيه للأمة كلها رصدها و تقويمها و لو فيما بعد، و جعلها في دائرة الضوء و تخليصها من الدس و الأكاذيب الأموية، و توضيح أهدافها و أسبابها، قد لا تتاح في دراسة عامة كهذه، و لعل العديد من المفكرين و الكتاب سيتناولون كل الأمور المتعلقة بها بتفصيل و اسهاب جديرين بهذه الثورة التي غيرت معالم تاريخنا الاسلامي، و جعلت الأمة في مختلف العصور تلتفت بشكل واع و ايجابي و متفهم الي ما يجري حولها، و ترصد بشكل أو بآخر حكامها، و يظهر من بينها أفراد أعلنوا انتماءهم للحسين عليه السلام و التحقوا بركبه الذي لم تتوقف مسيرته في أي وقت من الأوقات، و لا زال يبدو و كأنه العصب الحي الوحيد المتبقي في جسم هذه الأمة، التي تعرضت لمزيد من المؤامرات و الظلم و الاستغلال اعتمدت الصيغ الأموية الأولي، و ان تطورت و سائلها و أشكالها و أدواتها.


پاورقي

[1] مقتل الحسين الخوارزمي / ج 2 ص 309.

[2] التستري / الکبريت الأحمر 13 / 3.