بازگشت

الحسين يعد الحوراء زينب و النساء لاكمال مشوار الثورة


كان الحسين عليه السلام بذلك يعد أخته زينب لتقبل أمر موته بهدوء، لأنها ربيبة أميرالمؤمنين عليه السلام و هي في سنها و مركزها، كانت جديرة بالسيطرة علي موكب النساء


و الأطفال الذي سيصاب بالرعب و الذهول عند قتل الرجال و غيابهم، و كانت هي الوحيدة القادرة بسبب مرض الامام زين العابدين عليه السلام في ذلك الوقت علي تهدئتهم و الحفاظ عليهم في رحلة العودة، التي لابد أن تكون مليئة بالمتاعب و المشاق.

و لم يرد الحسين عليه السلام أن يكون وقع الموت عليها بتلك الدرجة من الهول لتي تفقدها صوابها و تفقدها القدرة علي تسليتهم و التخفيف عنهم، فعمل علي تذكيرها بسنن الله في خلقه، و كيف أن كل شي ء هالك الا وجهه، و هي أمور ما نراها غابت عن بالها في أي وقت من الأوقات، غير أن ذكرها في ذلك الوقت كان يمثل عزاء كبيرا، خصوصا و أن من أن يقدم العزاء هو نفسه من سيقتل بعد ساعات.

و ما نحسب أن زينب و ان كان وقع المصيبة هائلا عليها تفقد صوابها و تنسي كلمات أخيها بخصوص الصبر و التجلد، و قد استجابت لها فعلا، و كان دورها كبيرا في الحفاظ علي موكب الأطفال و النساء، و في لفت الأنظار الي أبعاد المعركة كلها و جناية النظام الحاكم علي الأمة كلها لا علي الحسين و أصحابه وحدهم.

و كانت مسيرة العودة الملحمية مليئة بالصور و المشاهد التي حاولت فيها زينب تهيئة الرأي العام للتعرف علي الواقع علي الواقع الذي كانت تمر به الأمة في ظل الحكام الأمويين و تهيئتهم لرفض هؤلاء الحكام و كل نمط منحرف مشابه لهم، و لعلنا سنشير الي ذلك عند الحديث عن النساء في معركة الطف، غير أن الأمر الذي يهمنا التأكيد عليه هو حرص الحسين عليه السلام علي اعداد النساء من خلال أخته زينب لتقبل أمر موته و عدم التنازل المهين للعدو تحت وقع المصيبة، أو الاستسلام التام للحزن و البكاء و نسيان الهدف الكبير الذي استشهد من أجله هو أصحابه، و عدم ابراز المسألة كأنها مسألة صراع شخصي أو خلاف انتهي بتلك المجزرة المريعة، و انما اظهار كل الجوانب التي أدت لتلك الثورة و ذلك الاستشهاد البطولي دفاعا عن الاسلام.

لقد جرت مشاهد عديدة بين الحسين عليه السلام و نساء آل البيت المرافقات لموكبه. سلم عليهن سلام الوداع بعد استشهاد أصحابه و بقائه منفردا و ذهابه لساحة القتال. كان لذلك السلام الوداعي أكثر من معني، فاللقاء لن يتم علي هذه الأرض ثانية، حيث يستبيح الظالمون الناس و يتلاعبون بمقدراتهم و أمنهم و هدوئهم، و أنما سيتم في مكان الأمن و الهدوء و الراحة، في الجنة، حيث رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الأنبياء و الرسل و الشهداء و الصالحون.


كان يعني أن أولئك النسوة لن يرين الحسين عليه السلام ثانية، بل سيرين رأسا مقطوعا و جثة مرملة بالدماء يعفرها التراب.

كان الحسين عليه السلام الأمل الوحيد المتبقي للأمة كلها لكي يصلح الخطأ و يقوم الانرحاف، و مع ذلك، فان يد العدوان توشك أن تطاله و تنال معه.

أي مشاهد جرت في كربلاء، و هل تستطيع كلمات أو دموع أو عواطف أن تعبر عن كل ذلك الذي كان يجري هناك؟

و لعل السلوي الوحيدة التي كانت تخفف الوطء عن الجميع، ادراكهم أن ما يقدم عليه الحسين عليه السلام كان هو الضمانة الوحيدة لبقاء الأمة اسلامية، و كان الضمانة الوحيدة لبقاء الاسلام حيا.

كانت جسامة المسؤولية لا تحتمل أقل منا التضحية التي سيقدمها الحسين عليه السلام.

و لم تكن النساء بمعزل عن الجو العام و عن دائرة الحسين الخاصة، و قد شاركنه مسيرته الملحمية و استمعن الي خطبه و أقواله.

و لابد أنهن كن مرصودات لعمل مهم كبير، يساهمن فيه بجعل نتائج الثورة تتسارع و تتضح، و يعملن عن توعية كل من شاهدهن أو استمع اليهم بأسباب تلك الثورة و عرضها علي حقيقتها، لا كما أراد النظام الأموي المنحرف.

لقد حدثتنا كتب التاريخ و السيرة عن فورات عاطفية، كانت توشك أن تنفجر بها النساء، و عن مسارعة الامام عليه السلام لتهدئتها و تخفيفها، لقد شاهدن أزواجهن و اخوتهن و أبناءهن يستعدون لخوض معركة كانوا يتعرضون فيها لخطر الموت الأكيد، و لا يترددون عن منازلة العدو الذي كان يتفوق عليم بالعدد و السلاح، دفاعا عن القضية التي رفعها الامام عليه السلام و تبناها و عرض نفسه للقتل في سبيلها.

كان الموت يقبل عليهم كل ساعة، و كانت الأيام التي سبقت المعركة مشحونة ببوادر صراع يوشك أن ينفجر في كل لحظة، فالعدو متلهف للنيل منهم و قتلهم. و هم مقابل ذلك لا يترددون عن مواجهته و تحديه و الرد عليه.

كان الامام عليه السلام يعد النساء لتقبل فاجعة القتل الأليمة، فلا يظهرون أمام العدو بمظهر من فقدن كل شي ء، فيقفن موقفا يفقدن فيه الصواب و يكن فيه عرضة لمزيد من المتاعب و السخرية من قبل ذلك العدو.


و لا ندري كيف ستبدو النساء لو لم يعدهن الحسين عليه السلام لتقبل ذلك الموقف و الاستعداد له، و لو لم تتعهدهن زينب بنت علي عليه السلام أخته بالرعاية و التوجيه، فالمصيبة كانت أكبر من أن تحتملها أعصاب نساء فجعن بأكبر رزية يمكن أن تحل بانسان.