بازگشت

تمهيد


في حوار جري بين الحسين عليه السلام و أخيه محمد بن الحنفية الذي حاول أن يثنيه من التوجه من مكة الي الكوفة، تساءل ابن الحنفية، بعد أن عجز عن اقناعه بالعدول عن قراره، عن سبب حمل النسوة معه، و هو يخرج علي مثل ذلك الحال.

و قد أجابه الحسين عليه السلام جوابا رآه مقنعا بل و مسكتا عندما قال له:

(ان شاء أن يراهن سبايا). [1] .

فما المغزي الذي انطوي عليه ذلك الجواب؟ و من هن النساء اللواتي شاء الله أن يراهن سبايا؟

انهن نساء آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ودائعه.

و مكانة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم معلومة و محفوظة، فحبه و موالاته و طاعته فرض، و استهدافه بالأذي و التجريح كفر و خروج عن الاسلام، هكذا أمر الله، و هكذا أنزل في كتابه المجيد.


و لسنا بحاجة لاعادة أقواله صلي الله عليه و آله و سلم التي يصرح فيها بشكل واضح أن من يستهدف آله بالأذي فانما يؤذيه شخصيا، و قد ذكرنا بعض تلك الأحاديث التي لم تكن نابعة عن هوي و كانت وحيا يوحي.

كانت المشيئة الالهية تسعي لتمتين و تقوية هذا الدين و مد جذوره في نفوس المسلمين، و اقامة علاقة حب و ولاء خاصة بين كل مسلم و بين هذا الرسول الكريم الذي اصطفاه الله و كرمه و عظمه، أراد من كل امري ء من المسلمين أن يشعر أنه ينتمي لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم خاصة، و أنه يدين له بما أفاء الله عليه من نعمة الاسلام.

و هو سعي دائم يتكرر في كل جيل، فللرسول صلي الله عليه و آله و سلم أصحاب و أحباب لم يروه و لم يعيشوا معه، غير أن الصورة الجميلة التي رسمها الله سبحانه و تعالي له في نفوسهم و قلوبهم و ضمائرهم جعلتهم يتطلعون اليه دائما، و جعلته أولي بهم من أنفسهم و أحب و أقرب اليهم من آبائهم و بنيهم و قراباتهم.

انتماء المسلمين للاسلام يعني انتماءهم لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.

و طاعتهم لله ينبغي أن تقابل به الأمة رسولها الكريم صلي الله عليه و آله و سلم الذي رزقها الله الاسلام و هداها عي يديه.

و لم يكن من المعقول أن تقابل الأمة رسولها بالهجران و الجحود و القطيعة، بل الأذي، و الشر والعدوان.

غير أن هذا ما حصل فعلا بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بحوالي نصف قرن فقط، و قد مهد له قبل ذلك، بل و بعيد وفاته، و لما يدفن بعد.

و ها هن عقائل آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم يسبين و يسلبن و يضربن و يكتفن و يطاف بهن كأنهن مسبيات من قبل أمة غريبة لم تعرف الاسلام و لم تنتم اليه.

أحقا أن من يقوم بذلك و يتوجه بالأذي المباشر لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم هي نفس هذه الأمة، التي أمرت بموالاته و حبه، أم أنها أمة أخري، ممسوخة مهانة ذليلة، أريد جرها الي مستنقع الانحراف و الشرك ثانية؟

لماذا اختار الحسين عليه السلام تلك الميتة الفجيعة علي يد أمة ادعت الانتماء للاسلام، و اختار مشهدا أصبحت الأمة كلها شاهدة عليه، مدينة كسلها و استسلامها و خضوعها لدولة الانحراف؟


لماذا اختار الحسين عليه السلام تلك الميتة الفجيعة علي يد أمة ادعت الانتماء للاسلام، و اختار مشهدا أصبحت الأمة كلها شاهدة عليه، مدينة كسلها و استسلامها و خضوعها لدولة الانحراف؟

و الجواب، لأن ذلك الأمر الوحيد الذي كان كفيلا بايقاظ الأمة و تنبيهها الي خطر الانحراف المستشري، و كان هو الشي ء الوحيد الذي يمكن أن يهزها و يعيدها الي صوابها، و كان لابد من مشهد كذلك المشهد الذي جري علي أرض كربلاء، و أمام أنظار شريحة كبيرة من الأمة، ادعت ولاءها و حبها للرسول صلي الله عليه و آله و سلم و آله، ثم تخلت عنهم، و بعد ذلك سارت لقتل بقيتهم تحت الضغط و الارهاب الأمويين، و لم تجد في نفسها الجرأة لمقاومة تهديدات شخص فرد و هو ابن زياد مبعوث الدولة الأموية، و قد تبدي أمامهم كمخلوق أسطوري عنيف سبقته اليهم سمعته و سمعة أبيه، الذي أو غل في القتل و الجريمة، و كان آباء أولئك المقاتلين و اخوانهم و أقاربهم ضحية عنفه و جرائمه.

فاذا ما سكتت الأمة كلها أمام هذه الجريمة، و حاولت اقناع نفسها بالتبريرات و التلفيقات الأموية بشأن دوافع ثورة الحسين عليه السلام و خروجه علي دولة يزيد في ذلك الظرف الدقيق، فكيف ستفهم معاملة نسوة آل الرسول، بتلك الطريقة التي تمت فيها؟

ان معاملتهم بذلك الشكل المهين و الوحشي، سيكون شاهدا علي تخليهم عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و عن الاسلام، و علي خضوعهم و استسلامهم لارادة شخص واحد لم يؤمن بالاسلام طيلة حياته، و لم يحب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أو يتولاه كما أمر الله سبحانه.

و الا فهل رفعت النساء سيفا حتي يعاملن تلك المعاملة الخشنة الحاقدة؟

لا شك أن ذلك كان شاهدا آخر علي الجريمة، و علي تخلي الأمة عن رسالتها و رسولها صلي الله عليه و آله و سلم و لا شك أنه أمر سيظل يلفت الأنظار بشكل حاد الي دوافع الطرفين للحرب و المواجهة، و سيشير بشكل واضح الي دولة الانحراف و قد بلغت مداها فيه، و الي نواياها في المستقبل.

كان أمرا في غاية الأهمية أن تعرف الأمة كلها الهدف من ثورة الحسين، و الا فان التلفيقات و الأكاذيب و الدعايات الأموية كفيلة بطمسها و تشويه حقيقتها، فليس من الأمور الهينة أن يقدم الحسين عليه السلام علي تلك التضحية الكبيرة في سبيل الاسلام، ثم يضيع كل ذلك هدرا و لا يصل صوته للأمة، و لا تعرف طبيعة أهدافه من تلك الثورة


الملحمية التي كان يعلم حق العلم أنه سيقتل فيها و سيلاقي و عائلته ضروب الأذي و الشر و العدوان جراءها.

فهذه الأمة لابد أن تنهض و لابد أن تثور كلها بوجه النظام المنحرف و بوجه كل نظام منحرف آخر، و ما من أمر بقادر أن يحركها للنهوض سوي فعل كبير، كثورة الحسين عليه السلام.


پاورقي

[1] اللهوف لابن‏طاووس 27 / 26، و الدر المسلوک 109 / 1.

و کان ابن‏عباس قد حاول منعه من المسير الي الکوفة بنسائه و صبيته الا أن الحسين عليه‏السلام أجابه بقوله: (اني رأيت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في منامي، و أمرني بأمر لا أقدر علي خلافه، و انه أمرني بأخذهن معي، و أنهن ودائع رسول الله..) اللهوف ص 14، و الطبري 384 / 5 ط دار المعارف، و ابن‏الأثير 276 / 3، و جمهرة خطب العرب 361 / 2، و المسعودي 65 / 3، و تاريخ الخلفاء 207، و ترجمة ريحانة الرسول من تاريخ دمشق ص 204، و نهاية الأرب 408 / 20، و الخوارزمي 217 / 1.