بازگشت

تأجيل موعد المنازلة لقاء مع الحبيب


و قد نجح الحسين عليه السلام بتأجيل موعد المنازلة الأخيرة من عصر اليوم التاسع حتي صباح اليوم العاشر من محرم الحرام، عندما اختار أخاه العباس بن أميرالمؤمنين عليه السلام و أرسله للسفارة بينه و بين ابن سعد، عندما هرع هذا الأخير بقواته هاجما علي معسكر الحسين عليه السلام استجابة لأوامر ابن زياد و خوفا من غضبه، و كان العباس عليه السلام في غاية البراعة، اذ استطاع أن يقنع ابن سعد و قادته بتأجيل المنازلة يوما آخر، و كانت سفارته بينهم و بين أخيه الحسين عليه السلام قد جعلت القائد المتردد الخائف، يطمع أن يطلع عليه الصبح بمفاجأة جديدة، و يأمل أن يقبل الحسين عليه السلام بالصلح و مبايعة يزيد، و جعلته يستشير أصحابه وقادة جيشه و يسألهم عن امكانية تأجيل القتال حتي صباح اليوم التالي، و يوافق علي ذلك رغم ضغوط مبعوث ابن زياد اليه شمر بن ذي الجوشن، مع أنه كان متأكدا بنفس الوقت أن الحسين عليه السلام لن يستسلم ولن يخضع للتهديد و الارهاب و أن نفسا أبية بين جنبيه، علي حد تعبيره هو في موقف سابق له مع شمر.


أوصي الحسين عليه السلام أخاه العباس، عندما أرسله لمقابلة ابن سعد قائلا:

(ارجع اليهم، فان استطعت أن تؤخرهم الي غدوة، و تدفعهم عنا العشية، لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة و تلاوة كتابه، و كثرة الدعاء و الاستغفار). [1] .

و يعلق راوي الخبر علي سفارة العباس عليه السلام هذه بقوله:

(و انما أراد يقصد الامام الحسين بذلك أن يردهم عنه تلك العشية، حتي يأمر بأمره و يوصي أهله..). [2] .

و كانت تلك الليلة حافلة بمشاهد الصلاة و الدعاء و تلاوة القرآن.

(و بات الحسين عليه السلام و أصحابه و أهل بيته تلك الليلة، و لهم دوي كدوي النحل، ما بين قائم و قاعد، و راكع و ساجد). [3] .

وقفوا فيها أمام أنظار آلاف الجند المغرر بهم، و الذين سلبت ارادتهم، و استسلموا لابن زياد، يستعدون لمواجهة خالقهم، و كانوا بذلك يعلنون أنهم علي استعداد تام، لمواجهة كل أعدائه و أعداء دينه و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم ان اقتضي الأمر، حفاظا علي ذلك الدين و توكيدا لعهدهم الذي قطعوه علي أنفسهم لحماية الاسلام و نصرة الله.

و كان جديرا بذلك المشهد أن يشعر الخائفين المهزومين الذين تجمعوا لتشجيع و حماية بعضهم بمظاهر احتفالية مصطنعة و أعصاب مشدودة متوترة، أن عليهم أن يقفوا موقفهم الحازم من دولة الانحراف الظالمة، غير أن هؤلاء كانوا قد ماتوا منذ زمن بعيد و أصبحوا جثة هامدة بين يدي ابن زياد و أعوانه، و لم يجدوا في أنفسهم القوة علي مواجهته.


پاورقي

[1] الطبري 315 / 314 / 3.

[2] الطبري 315 / 314 / 3.

[3] اللهوف لابن‏طاووس ص 40.