بازگشت

الحسين ينصح عمر بن سعد بالتخلي عن موقفه


و كانت خطوة في غاية البراعة، أن يقدم الحسين عليه السلام صاحب القلة من الأصحاب و الأعوان، علي خطوة بدا معها، و كأنه هو صاحب الكثرة و الآف الجند المجندة. فقد عرض علي ابن سعد، و هو قائد الجيش المستنفر لقتاله، أن يتخلي عن موقفه و يترك الجيش و يكون الي صفه و في جانبه.

و قد تكررت اللقاءات التي لم يحضرها سوي أناس مقربين من الجانبين الي درجة استفزت شمر و جعلته يقلق من نتائجها المحتملة، فعرض الأمر علي ابن زياد الذي أمره أن يضع حدا لذلك و يصدر الأمر لابن سعد بالتضييق علي الحسين عليه السلام و تعجيل موعد النزال ان لم يستجب الحسين عليه السلام لشروطه.

و لو أن ابن سعد استجاب لدعوة الحسين عليه السلام لكان ميزان المعركة قد مالت كفته لصالحه عليه السلام و لفكر عديدون غيره بالالتحاق به، غير أن ابن سعد الذي فوجي ء بوصول أخبار اللقاء الي ابن زياد و وصول شمر اليه بأوامر سريعة منه تدعوه لحسم الأمر حالا تخاذل و لم يجد في نفسه الجرأة علي الاستجابة لدعوة الحسين عليه السلام، و لم يكتف بذلك، بل أشاع أكذوبته التي ادعي فيها أن الحسين عليه السلام عرض عليه أن يضع يده بيد يزيد أو يذهب الي أحد الثغور للقتال، أو يعود من حيث أتي مستفيدا من أمرين قد يكون أراد تحقيقهما:


الأول: عرض موقف الحسين عليه السلام و كأنه كان أمرا قابلا للمساومة و اعادة النظر، و كأن الحسين عليه السلام كان يقر بوجود دولة شرعية لا يري مانعا من مبايعة رأسها يزيد مادام ذلك أحد مطالبه، و بذلك فان ابن سعد يعرض نفسه علي المسلمين و كأنه أحد الرعايا المطيعين (لولي الأمر) الشرعي، الذي أراد الحسين نفسه مبايعته.

الثاني: القاء تبعة الجريمة علي ابن زياد، و هو أمر رأي أنه مضطر اليه فيما بعد، حيث جرت حملة لتبادل الاتهامات و القاء تبعات الجريمة علي أشخاص آخرين، و قد شارك في تلك الحملة يزيد و ابن زياد و ابن سعد و بقية القادة الذين اشتركوا في المجزرة.

غير أننا نشير هنا الي أمر بدا واضحا أمام جيش ابن زياد كله، فها هنا رجل جاء يحمل قضية كبيرة و جاء ليدافع عنها و يستشهد في سبيلها و لا يتنازل عن موقفه رغم الموت المحتم الذي بدا ماثلا أمامه، و اذ أنه لا يضعف أو يستسلم أو يتخاذل، بل و يبدو في موقف القوي و يذهب الي حد دعوة قائد الجند نفسه للانضمام اليه، فان هذا الأمر لابد أن يكون موضع تأمل و تفكير من قبل أفراد ذلك الجيش، بل و من قبل أجيال الأمة كلها، اذ لم يحصل أن شهدت موقفا كهذا من قبل، واجهت فيه عصبة قليلة من المسلمين المؤمنين جحفلا جرارا يريد القضاء عليها، بتلك العزيمة و تلك القوة.