بازگشت

الرحمة العلوية و الخمسة الأموية


لقد قوبل عرضه السخي و قيامه بسقي العطاش من جنود أعدائه و دوابهم، بموقف شائن مغاير لموقفه النبيل تماما، فقد (بعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج علي خمسمائة فارس، فنزلوا علي الشريعة، و حالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث). [1] .


و قد تمادي أحد جنود ابن الحجاج، عبدالله بن أبي حصين الأزدي، في سلوكه الشائن في هذا الموقف، عندما وجه خطابه الي الحسين عليه السلام قائلا:

(يا حسين، ألا تنظر الي الماء كأنه كبد السماء، و الله لا تذرون منه قطرة حتي تموت عطشا.

فقال له الحسين: اللهم اقتله عطشا، و لا تغفر له أبدا). [2] .

و قد روي بعد ذلك أنه:

(كان يشرب حتي يبغر، ثم يقي ء، ثم يعود يشرب حتي يبغر، فما يروي، فما زال ذلك دأبه حتي لفظ عصبه. يعني نفسه). [3] .

و لم يكتف أعداء الحسين عليه السلام بمنع الماء عنه، و انما منعوه الأطفال و النساء أيضا.

و قبيل مقتله.

(عطش الحسين، حتي اشتد عليه العطش، فدنا ليشرب من الماء، فرماه حصين بن تميم بسهم، فوقع في فمه، فجعل يتلقي الدم من فمه، و يرمي به الي السماء، ثم حمدالله و أثني عليه، ثم جمع يديه فقال: اللهم احصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تذر علي الأرض منهم أحدا). [4] .

و عندما ركب عليه السلام المسناة يريد الفرات.

(قال رجل من بني أبان بن دارم: ويلكم حولوا بينه و بين الماء لا تتام اليه شيعته، و ضرب فرسه، و اتبعه الناس حتي حالوا بينه و بين الفرات.

فقال الحسين: اللهم اظمه، و ينتزع الأباني بسهم فأثبته في حنك الحسين، فانتزع الحسين السهم، ثم بسط كفيه فامتلأت دما. ثم قال الحسين: اللهم اني أشكو اليك ما يفعل بابن بنت نبيك). [5] .

و قد صب الله عليه الظمأ، قال شاهد عينان رآه:

(لقد رأيتني فيمن يروح عنه و الماء يبرد له فيه السكر، و عساس فيها اللبن، و قلال فيه الماء، فأذا نزعه من فيه اضطجع الهنيهة. ثم يقول: ويلكم، اسقوني قتلني الظمأ، فوالله ما لبث يسيرا حتي انقد بطنه انقداد بطن البعير). [6] .


لقد أشرنا الي أن الحسين عليه السلام كان يدعو علي أمثال هؤلاء الذين يتكلفون سلوكا لم يطالبوا به، فهم قد أرسلوا لمقاتلته، لا لشتمه و التعريض و تحريض الناس عليه و نيله بأذي غير مألوف و غير مطلوب منهم، و لعلهم يريدون أن تصل أخبار مواقفهم تلك الي أسماع أسيادهم ليحسن حالهم عندهم، و لعل بعضهم فعل ما فعل بقصد العبث و الاساءة و الأذي غير المبرر.

كان لابد أن يقف المجتمع من هؤلاء موقفا منددا، فاذا ما كثروا كانوا آفة فتاكة.

لقد استجيب كل دعوات الحسين عليه السلام علي هؤلاء و جدير بمن اطلع علي مصائرهم أن لا يقف مواقفهم و أن لا ينحاز للظالم لمجرد أنه يمتلك القوة و المال و الجاه، و لمجرد أن رغبة حقيرة تزين له ذلك.

كان الحسين عليه السلام يريد الجميع أن يرتفعوا الي مستوي الاسلام، لا أن ينزلوا الي مستوي تلك الرغبات التي لن تغني عنهم أو تفيدهم شيئا.



پاورقي

[1] المصدر السابق 311 / 3، و ابن‏الأثير 413 / 3.

[2] الطبري 312 / 311 / 3، و ابن‏الأثير 414 / 413 / 3.

[3] الطبري 312 / 311 / 3، و ابن‏الأثير 414 / 413 / 3.

[4] الطبري 312 / 311 / 3، و ابن‏الأثير 414 / 413 / 3.

[5] الطبري 312 / 311 / 3، و ابن‏الأثير 414 / 413 / 3.

[6] الطبري 312 / 311 / 3، و ابن‏الأثير 414 / 413 / 3.