بازگشت

الفرق بين الأخلاق العلوية و الأخلاق الأموية


عندما نعود بالذاكرة الي أيام (صفين)، نستمع الي أميرالمؤمنين عليه السلام و هو يوصي قواده و جنده قبل لقاء العدو قائلا:


(لا تقاتلوهم حتي يبدأوكم، فانكم بحمدالله علي حجة، و ترككم اياهم حتي يبدأوكم حجة أخري لكم عليهم. فان كانت الهزيمة باذن الله فلا تقتلوا مدبرا و لا تصيبوا معورا و لا تجهزوا علي جريح). [1] .

و قد أوصي الأشتر عندما أرسله لقتال أهل الشام قائلا:

(و اياك أن تبدأ القوم بقتال الا أن يبدأوك، حتي تلقاهم فتدعوهم و تسمع منهم، و لا يحملك بغضهم علي قتالهم قبل دعائهم و الاعذار اليهم مرة بعد مرة). [2] .

و قد قال لابنه الحسين عليه السلام:

(لا تدعون الي مبارزة و ان دعيت اليها فأوجب فان الداعي باغ، و الباغي مصروع). [3] .

كان مبدؤه في المواجهة و القتال، أن يدعو و ينصح و يوجه في البداية، و لا يقاتل الا من يقاتله و لا يدعو الي مبارزة، و ان دعي اليها فعليه أن يجيب.

و قد كان معاوية في بداية معركة صفين قد أخذ شريعة الماء و منع أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام عنها رغم عطشهم و حاجتهم اليه، و قد رأي في ذلك و رقة ضغط كبيرة لا ضعافهم و الانتصار عليهم.

و لم يتخل عن الماء حتي عندما أرسل اليه أميرالمؤمنين عليه السلام يدعوه أن يخلي بين الناس و بينه.

و عندما قاتله أصحاب أميرالمؤمنين و صار الماء في أيديهم، كان من المتوقع أن يفعلوا كما فعل، الا أن أميرالمؤمنين أرسل الي أصحابه قائلا:

(أن خذوا من الماء حاجتكم و خلوا عنهم، فان الله نصركم ببغيهم و ظلمهم). [4] .

لقد فعل أميرالمؤمنين عليه السلام ما رآه واجبا و حقا عليه أن يفعله طالما أن المعركة كانت في سبيل الاسلام، و فعل الحسين عليه السلام مثل فعله عندما رآه واجبا و حقا،


و طالما أن معركته كانت في سبيل الاسلام أيضا، فهو لم يأت هنا ليقاتل دفاعا عن مكاسب شخصية أو أهداف تتعلق بالملك و السلطان، و انما جاء مدافعا عن الاسلام.

أما أولئك الذين لم يعرفوا الحق و الاسلام، و الذين تنصلوا من قيمه بل و لم يعرفوها أصلا، فلم تكن تلوح لهم سوي مصالحهم و سوي عروشهم و أمانيهم الزائفة، و لم يكونوا يتحرجون من فعل أي شي ء يحقق لهم (نصرا) أو غلبة أو تفوقا، حتي و ان كان مما يخجل منه أعداء الاسلام العلنيون أنفسهم.

لقد كانت مقاييس يزيد و ابن زياد و أضرابهما هي نفسها مقاييس معاوية الملتوية، و كان نظراتهم و عقلياتهم و فهمهم للاسلام بشكل عام وليدة نظرته و عقليته و فهمه، فمعاوية قد أنجب أجيالا علي شاكلته، تظل تنغل بهم الأيام، مادام الاسلام مهملا و بعيدا عن الساحة، و مادام فهمه لا يتم الا بتلك المقاييس الملتوية. فالمعركة بنظرهم معركة و حسب، و الفائز فيها هو صاحب الحق، و لا تهم الأساليب التي تستخدم فيها طالما أنها تؤدي الي الغلبة و الفوز.

أما الحسين عليه السلام فكانت المبادي ء التي أرساها جده صلي الله عليه و آله و سلم و أبوه عليه السلام نصب عينيه دائما، و لم يتراجع عنها في أي وقت من الأوقات منذ مسيره و حتي الساعة التي استشهد فيها مع أصحابه.

فعندما خاطبه زهير بن القين و طلب منه اصدار الأوامر لمقاتلة الحر و أصحابه قبيل وصولهم الي كربلاء، و قبل أن تتام أعداد الجيوش المستنفرة لقتاله، و قال له:

(يابن رسول الله، أن قتال هؤلاء أهون من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعد من تري ما لا قبل لنا به.

فقال له الحسين: ما كنت لأبدأهم بالقتال). [5] .

و لعل زهير كان يري أنه محق بطلبه ذلك، خصوصا و أن الحر قد أعلن عن عزمه بعدم السماح للحسين عليه السلام بالرجوع و أنه يروم محاصرته و تسليمه لابن زياد، غير أن الحسين عليه السلام رأي ما لم يراه زهير، فهبه قاتل أصحاب الحر و انتصر عليهم و رجع، فكيف سيواجه أعوان السلطة هناك الذين لابد أن يستعدوا لمواجهته


و سيعلمون علي عرض القضية و كأنها قضية خلاف شخصي اتخذت مواجهة مسلحة، و ستستنفر الدولة كل أعوانها لجعل الأمور تأخذ المنحي الذي تريده.

أما اذا ما قتل أصحاب الحر الحسين و أصحابه في تلك المواجهة فان المسألة ستضيع كلها هناك، و لن يتاح للحسين عليه السلام عرضها أمام حشد أهل الكوفة الذي تجاوز ثلاثين ألفا، و سيضيع صوته قبل أن تستمع اليه الأمة، و تعرف الغرض الحقيقي من ثورته.

كان حجم المواجهة منذ البداية يدل علي أنه سيقتل لا محالة، بل أن أخبار ذلك كانت مؤكدة و متيقنة، و كانت عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فكان من الضروري أن لا تتم تلك المواجهة دون الاعلان عن الهدف الحقيقي منها، و دون كشف الانحراف و الفساد الذي أخذ يعم و ينتشر، و دون كشف السبب الحقيقي لذلك الانحراف و الفساد.

لقد سنحت فرصة مناسبة لمسلم بن عوسجة، و كان راميا ماهرا، لتوجيه سهامه لشمر بن ذي الجوشن، قبيل بدء المعركة، و كان شمر قد اقترب من مخيم الحسين عليه السلام متحرشا و موجها بعض الكلمات الجارحة للحسين و أصحابه، و ربما كان من شأنه قتله أن يميل بكفة المعركة لصالح الحسين عليه السلام، كما كان أحد عيون ابن زياد و مراقبيه علي قائد جيشه عمر بن سعد.

قال مسلم بن عوسجة للحسين عليه السلام:

(يابن رسول الله، جعلت فداك، ألا أرميه بسهم، فأنه قد أمكنني، و ليس يسقط مني سهم، فالفاسق من أعظم الجبارين.

فقال له الحسين: لا ترمه، فاني أكره أن أبدأهم). [6] .


پاورقي

[1] نهج‏البلاغة 531.

[2] ابن‏الأثير 165 / 3.

[3] نهج‏البلاغة 709.

[4] ابن‏الأثير 167 / 3.

[5] الطبري 310 / 3، و ابن‏الأثير 411 / 3.

[6] الطبري 318 / 3.