بازگشت

اسقوا القوم و رشفوا الخيل ترشيفا الغاية لا تبرر الوسيلة عند الحسين


لقد أتيحت للحسين عليه السلام فرصة منازلة عدوه، و التغلب عليه قبل أن يستجمع قواه و يحشد قواته، و ذلك قبل وصوله كربلاء، و ربما يستطيع بذلك قلب توازن المعركة اذا ما تغلب في الجولة الأولي منها، و توفير الوقت اللازم لضم أكبر عدد من الأتباع و المناصرين، و كان موقف طليعة العدو الضعيف يتيح له تحقيق تلك الغلبة بكل يسر.

(أقبل الحسين عليه السلام حتي نزل شراف، فلما كان في الحر، أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثم ساروا منها [و قد رأوا هوادي خيل الحر، فاستبقوا الي ذي حسم فجعلوه في ظهورهم و استقبلوا القوم من وجه واحد بعد أن نزلوا و أمر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت]. [1] .

و جاء القوم و هم ألف فارس مع الحر بن يزيد، حتي وقف هو و خيله مقابل الحسين في حر الظهيرة، و الحسين و أصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء و رشفوا الخيل ترشيفا، فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا، و قام فتية و سقوا القوم من الماء حتي أرووهم.


و أقبلوا يملؤون القصاع و الأتوار و الطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فاذا عب فيه ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه، و سقوا آخر.

فليس عجيبا أن نري أنه لا يتصدي بروح العدوان لأولئك الذين أرادوا قتله و استئصاله و ايقاف مسيرته و منعه منها، بل لعل التاريخ لن يحكم عليه بأنه كان معتديا عليهم، لو أنه قاتلهم مستغلا عطشهم و ضعفهم.

و هكذا رأينا أنه كان يتصدي بروح تعتمد الاقناع و كشف الحقائق و الأمور، كما تبين لنا بعد ذلك من خطبه و أقواله لأصحاب الحر.

كانت مهمته الأساسية أن يبقي الأمة واعية مفتحة الأعين غير منقادة انقيادا أعمي لأولئك الذين يريدون العبث بها، و يريدون لها أن تنزلق و تنحرف و تبتعد عن الاسلام، لأن في ذلك ضمانتهم الوحيدة لتحقيق كل مآربهم و أهدافهم، فما لم تكن الأمة كذلك فان الأيام ستظل تخرج عليها و تلد لها أمثال معاوية و عمرو بن العاص و المغيرة و مروان و أشباههم، و عليها أن تكون منتبهة علي الدوام، لا في فترة محدودة فقط، للخطر الذي يأتيها من هؤلاء، و أن تفوت عليهم فرص سعيهم المحموم للاستئثار بكل شي ء و حرمان الأمة منه.

كان الحسين عليه السلام يتعامل بمبادي ء الاسلام القويمة، و كان يعتمد الأسس و التصورات التي اعتمدها جده صلي الله عليه و آله و سلم و أبوه عليه السلام من قبل، و كانت وصاياهم و مواقفهم أمام نظره دائما، فلا عجب ان رأيناه قد سارع الي تقديم الماء للجيش المعادي قبل أن يسأل أفراده عن طبيعة مهمتهم، مع أنه كان يعلم من واقع حالهم طبيعة تلك المهمة، و مع أن هذا الجيش نفسه عندما التحق بجيش ابن زياد في كربلاء، عندما أتيحت له الفرصة في النهاية للسيطرة علي مصدر المياه و احتكاره، سارع للمساهمة بمنع الامام الحسين عليه السلام و أصحابه عليهم السلام عنه.


پاورقي

[1] لحظنا کلام الراوي بما وضعناه بين الاشارتين.