بازگشت

الحب و التقدير و الاحترام المتبادل بين الحسين و أصحابه


و كان الحب و التقدير و الاحترام المتبادل بين الحسين و أصحابه جديرا بالتأمل و الملاحظة، فهذه فئة منتقاة من الأمة، جمعها هدف واحد و أدركت ما لم يدركه الناس جميعا، و قد توحد شعورها و عاطفتها و هدفها، و رأت أن من يدافع عن الاسلام هو الجدير بالحب و التقدير، و اذ ما رأت أمام الأمة أول من يتقدم الي مواجهة العدو


و الوقوف بوجهه، رأت أنها تنتمي اليه حقا كما تنتمي للاسلام و لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. و رأي كل واحد منها أصحابه جديرين بأن يوليهم كل محبته و تقديره، كان كل من يتقدم للقتال يستأذن أمام الأمة في ذلك و يسلم عليه، و يودعه الوداع الأخير في هذه الدنيا علي أمل لقاء قريب في الجنة.

و كانت وصايا بعضهم لأصحابه قبل الموت، مثل مسلم بن عوسجة، هي أن يموتوا دون الحسين عليه السلام، لأنهم كانوا يرون فيه حياة الأمة و روحها و أملها،

حتي أن بعض النساء ممن شارك أبناؤهن في القتال الي جانب الحسين عليه السلام، كأم وهب الكلبي، لم يقنعن حتي يقتل أبناؤهن بين يدي الحسين عليه السلام.

كانت المسيرة المظفرة تنتظم علي ايقاع بديع نحو الشهادة، يتقدم كل من أصبح علي و شك الوصول اليها ناسيا كل ما يوشك أن يلاقيه من آلام القتل رافعا صوته:

(السلام عليك يا ابن رسول الله،

فيجيبه الحسين: و عليك السلام، و نحن خلفك، و يقرأ:

(فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا). [1] [2] .

أي صدي لهذا الايقاع و هذه الأصوات التي تحيي بعضها بعضا، و هذه القلوب العامرة بالحب و الولاء للاسلام و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و قادته الحقيقيين، و أي تأثير سيكون لها علي أبناء الأمة كلها علي مر الأجيال.

أهذه حفلة شهادة حقا؟

و هل يوجد حقا، من يعمر الثبات و القوة قلبه الي هذا الحد الذي يستسهل فيه الموت و مخاطره و آلامة و لا يراه شيئا في سبيل انجاز مهمته و الدفاع عن الاسلام، الذي أوشك أن ينتزع من هذه الأمة الي الأبد.

ان ما تشهده الأمة، و تراه مجموعة كبيرة منها كانت تقف في صف عدوها مستسلمة له مجرده سيوفها للدفاع عنه، منظر عجيب، لم تنسه حتي تلك المجموعة التي كونت جيش ابن زياد، ثم جاءت بعد ذلك تنقل أخباره و حواره العجيبة لكل


الناس، لكي تقوم أجيال المسلمين بعد ذلك بتأملها و دراستها، و تري أن من هو جدير بالولاء و التقدير و المحبة هو ذلك الذي أعطي كل شي ء للحفاظ علي الاسلام، و من ضحي براحته الشخصية و أمنه و حياته لكي تظل الأمة آمنة في ظل الاسلام و قوانينه و عدالته.

و لكي يظل كل فرد منها يردد علي الدوام:

السلام عليك يا ابن رسول الله.

فما أجدر هذه التحية أن تجعله يشعر أنه ينتمي للاسلام انتماء حقيقيا طالما أنه يقدر وقفة الحسين عليه السلام و تضحيته و اقدامه علي الموت في سبيل الاسلام، و يري أنها الوقفة التي يجدر بكل مسلم أن يقفها للحفاظ علي دينه اذا ما تطلب الأمر منه ذلك.

و كان الذي يلفت النظر حقا توسل بعض أصحاب الحسين عليه السلام به لكي يسمح لهم بالقتال و الاستشهاد بين يديه، كان منهم (جون) مولي أبي ذر الغفاري، و كان عبدا أسود، و أنس الكاهلي و كان شيخا كبيرا صحابيا و عمرو بن جنادة و كان صبيا لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره و قد قتل أبوه في الحملة الأولي.

لم يسمح لهم الحسين عليه السلام في البداية الا أنهم توسلوا به و أصروا علي مقاتلة العدو رغم علمهم بالموت المؤكد اذا ما أقدموا علي ذلك، و قد استشهدوا فعلا.

وقف الحسين عليه السلام في البداية الا أنهم توسلوا به و أصروا علي مقاتلة العدو رغم علمهم بالموت المؤكد اذا ما أقدموا علي ذلك، و قد استشهدوا فعلا.

وقف الحسين عليه السلام علي (جون) بعد استشهاده و قال:

(اللهم بيض وجهه، و طيب ريحه، و احشره مع الأبرار، و عرف بينه و بين محمد و آل محمد). [3] .

و نظر الي الصحابي الجليل الذي برز شادا وسطه بالعمامة رافعا حاجبيه بالعصابة عن عينيه، و بكي عندما رآه بهذه الهيئة، أحقا لم يبق الا هذا الشيخ يدافع عن الاسلام بينما تخاذل الجميع، و لم يجدوا في أنفسهم القوة لمواجهة الانحراف و الظلم، توجه اليه بحنان و حب كبيرين قائلا:


(شكر الله سعيك يا شيخ..). [4] .

كان أمرا محزنا حقا أن تخلو الساحة من المدافعين عن الاسلام و لا يبق فيها الا أمثال هذا الشيخ الضعيف، الذي وجد نفسه قويا الي الحد الذي أشهر فيه سيفه بوجوه الأعداء المتعطشين للدماء.

و كانت الدموع النبيلة التي تساقطت من عيني الامام عليه السلام تثمن هذه الوقفة الباسلة للشيخ النبيل الذي رأي الاسلام أمام خطر محقق مادامت قيادته تعلن انحرافها و خروجها عن الاسلام بذلك الشكل المعلن المفضوح، فعلي مثله فليبك الباكون حقا، اذ هل يجوز الدهر حقا بشيخ له هذه البسالة و هذه العزيمة منتصرا لله و لرسوله صلي الله عليه و آله و سلم و لدينه؟

و كان غلام الحسين التركي في موقف يستطيع فيه عدم القتال لو أراد ذلك، الا أنه لم يرد الا القتال، و كان في مرتبة عالية من الصلاح و السداد قارئا للقرآن، استأذن الامام عليه السلام في القتال، فحمل بعد أن أذن له علي القوم، فقاتل و قتل جماعة كثيرة، ثم وقع صريعا، فاستغاث بالحسين، فأتاه واعتنقه و بكي عليه، ففتح الغلام عينيه و رأي الحسين عليه السلام فتبسم، و كان به رمق فأخذ يفتخر و يقول:

(من مثلي و ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم واضع خده علي خدي؛ ثم فاضت نفسه بين يدي الحسين). [5] .

كان الحسين عليه السلام يعامله معاملة ابنه، يعتنقه و يبكي عليه، و كانت ذلك مبعث فخر كبير للغلام، فكأنه يري خد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم علي خده، و هكذا مضي سعيدا قرير العين لملاقاته عند جده صلي الله عليه و آله و سلم في جنان الخلد.

كان موقف الحسين عليه السلام مع هذا الغلام التركي جديرا أن يشد انتباه كل من حضر تلك الواقعة، فمادام ذلك الغلام ينتمي للاسلام ذلك الانتماء الحميم، فأنه جدير بتلك المعاملة الحميمة من امام الأمة، و جدير بأن يبكي عليه لا الحسين عليه السلام وحده، و انما كل غيور محب للاسلام حريص علي ديمومته و بقائه و استمراره.


كان أفراد جيش ابن زياد في مقدمة من شهدوا حقا أن الحسين عليه السلام لم يكن كما صورته الدعاية الأموية، و قد رأوا أنه صورة ناطقة لجده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أبيه أميرالمؤمنين عليه السلام، و اذ غابت عنهم صورة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فلم يروه، فأنهم قد استمعوا لشهادة القرآن بحقه (و انك ممنون)، و لابد أنهم رأوا ذلك الخلق العظيم، و رأوا آداب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم متمثلة بابنه الحسين عليه السلام و قد شهدوا تعامله مع أصحابه و أعدائه علي السواء.

غير أن معرفتهم بالحسين عليه السلام لم تفدهم شيئا، و لم تغيرهم أو تجعلهم يقفون الي جانبه، فمخاوفهم كانت أقوي من أن تجعلهم يفعلون ذلك، و كانوا شهودا علي أنفسهم و علي أمتهم المتخاذلة المستسلمة التي لم تر في نفسها القوة للوقوف الي جانب الحسين عليه السلام في ذلك الموقف الحاسم.


پاورقي

[1] الأحزاب: 23.

[2] الخوارزمي 25 / 2.

[3] المجلسي، بحارالأنوار 23 / 45.

[4] الخوارزمي 18 / 2، و ذخيرة الدارين للسيد مجيد الحائري ص 208، و المناقب لابن‏شهر آشوب 102 / 4.

[5] الطبري 150 / 5 ط دار المعارف و النويري 462 / 20، و السيد الأمين / أعيان الشيعة ج 4 ق 1 ص 236، و ذخيرة الدارين للحائري ص 366، و الخوارزمي 24 / 2.