بازگشت

اخلاق الحسين مع الحر الرياحي التائب


و تتجلي أخلاق الحسين الرسالية مع الحر بن يزيد الرياحي الذي جعجع به و أراد تسليمه لابن زياد.

لقد ندم الحر علي تصرفاته في آخر لحظة و أدرك أنه كان مخطئا، و أن من كانوا يقدمون علي قتل الحسين عليه السلام انما يقتلون أنفسهم و يقتلون أمتهم، و أنهم سيواجهون أصعب المواقف و أشدها في الآخرة يوم الحساب.


و اذ فكر و تدبر و أدار حساباته أدرك أنه سيقتل اذا ما انحاز الي جانب الحسين عليه السلام، لكنه فعل ذلك و انحاز مدركا في النهاية أن النتيجة ستكون لصاحله، و أنه سيكون مع سيد شباب أهل الجنة في الجنة، و هو مستقبل رآه سعيدا لا أمد له و لا انقطاع.

لقد قدم نفسه للحسين عليه السلام علي أنه هو الذي حبسه عن الرجوع و سايره في الطريق و جعجع به في ذلك المكان، و قال له:

(و الله لو علمت أنهم ينتهون بك الي ما أري، ما ركبت الذي ركبت، و أني قد جئتك تائبا الي ربي مما كان مني، و مواسيا لك بنفسي حتي أموت بين يديك، أفتري لي من ذلك توبة؟). [1] .

و اذا ما علمنا أن موقف الحر هذا كان بعد الهجمة الأولي علي معسكر الحسين عليه السلام و مقتل جماعة كبيرة من أصحابه، و أن ما أصابهم كانت نتيجة مباشر لتصرفه و التزامه أوامر قادته، و أن موقفه لو كان هكذا منذ البداية لتغير الأمر لصالح الحسين، و أنه عندما يأتي وحيدا قد لا يغير من مجري المعركة شيئا، لرأينا أن موقفه الأخير بعدما تسبب من المشاكل من موقفه الأول، كان كفيلا باثارة الحنق و الغضب في نفس أي امري ء غير الحسين عليه السلام، و لكان قد نهره و قاله له: ما جدوي موقفك هذا بعد أن فعلت ما فعلت و سببت لنا كل هذا، غير أن الحسين عليه السلام رأي أمامه رجلا آخر ينتصر للاسلام اذ يقف بجانبه، و اذ لم ير في نفسه و جماعته قلة مغلوبة، و انما فئة عزيزة تقف بثبات في صف الاسلام و تدافع عنه، فأنه رأي في موقف الحر الأخير أمرا جديرا بالتقدير.

فهذا رجل تغلب علي مخاوفه من كثرة العدو و بأسه، و من الموت، و أقدم بشجاعة رغم يقينه بأنه سيموت، مقاتلا بين يدي الحسين عليه السلام، جدير بأن تلتفت اليه الأمة كلها و تقف موقفه، و أن لا يحسب أي من أبنائها حتي و ان كان يقف في صف الظالم، أن باب التوبة قد أغلق بوجهه الي الأبد، و لن يعود بوسعه الالتحاق بركب المضحين في سبيل الاسلام و الباذلين نفوسهم من أجله.


كان التحاق الحر بالحسين عليه السلام نكسة لكل أقطاب النظام المنحرف و رجاله، فقد كان شهادة قوية علي عدم شرعية ذلك النظام و انحرافه و خروجه عن الاسلام.

و كانت توبة الحر في تلك اللحظات الحرجة كفيلة بأن تجعل الحسين عليه السلام يشعر بسعادة غامرة، فعندما يقف فرد من أبناء الأمة منتصرا علي مخاوفة و أطماعه، شاهدا عل استسلامها و خضوعها و مخاوفها، فأنه يؤكد بذلك صحة نهج الحسين و ضرورة ثورته بوجه الانحراف حتي لو أدي ذلك للموت.

كان معني توبة الحر و وقوفه الي جانب الحسين عليه السلام، هو قبوله بالموت، و كان ذلك من أجل الانتصار للاسلام، و أي أمر أجدر بالتقدير من ذلك الموقف؟

و هذا رحب به الحسين عليه السلام و قال له:

(نعم، يتوب الله عليك و يغفر لك ما اسمك؟

قال: أنا الحر بن يزيد.

قال الحسين: أنت الحر كما سمتك أمك أنت الحر ان شاء الله في الدنيا و الآخرة. انزل.

قال الحر: أنا لك فارسا خير مني راجلا، أقاتلهم علي فرسي ساعة، و الي النزول ما يصير آخر أمري). [2] .

لقد رأي الحر من ينتصر للاسلام حقا،و رأي أن يكون في صفه وصف أصحابه، و هو أمر جدير بالتقدير و الاحترام من قبل كل من يطلع علي ذلك الموقف، و في مقدمتهم الامام الحسين عليه السلام الذي رحب به و عامله معاملة رفيقة جديرة به حقا.


پاورقي

[1] الطبري 320 / 3، و ابن‏الأثير 288 / 3، و المفيد 229، و الخوارزمي 10 / 2، و ابن‏طاووس 44.

[2] المصادر السابقة.