بازگشت

الحسين ينصح عمر بن سعد و جيشه


و رغم يقين الحسين عليه السلام من موقف ابن سعد و أعوانه و تصميمهم علي قتله، فانه لم يتوقف لحظة عن توضيح مهمته و بيان مركزه منهم و من المسلمين عموما و عرض صلته برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، تلك الصلة التي جعلت موقعه خاصا و حتمت علي الجميع الاقتداء به و السير وراءه لا اعلان الحرب عليه، كل ذلك بأسلوب جدير بردع كل ذي ارادة حرة واعية متمسكة بالاسلام حقا.

لم يكن يتوجه اليهم بكلمات مستجدية ضعيفة ليوفروا عليه حياته، لأنه لم يكن حريصا عليها قدر حرصه علي حياة الأجيال العديدة من أبناة هذه الأمة، فكان يوبخهم بأسلوب رصين يبدو فيه أدب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الذي أدبه الله فأحسن تأديبه و الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق.

كان يوبخهم بأسلوب الأب الحريص علي أبنائه و الذي لا يريد لهم أن ينزلقوا الي حضيض التمرغ بأوحال الشرك و الظلم و الجاهلية، و كان يستعرض ببيان فريد واقعهم المتردي في ظل دولة الظلم الأموية.

كان مشهده و هو يواجههم المواجهة الأخيرة و يتقدم اليهم بالنصح ناشرا المصحف علي رأسه، جديرا بالتأمل، و كان خطابه الأخير لهم جديرا بالدرس و التفحص و هو يستعرض مساؤهم أمامهم بشكل مفصل و ببلاغة جديرة بأبيه أميرالمؤمنين عليه السلام، و ما كان في تلك الساعة الا صورة منه و هو يرفع سيفه بوجه الظلم و يوجه كلماته البليغة الي من دفعوا للوقوف الي جانب الظالم.

و كان بذلك يلتزم بأسلوب الاسلام الصحيح، الذي لا يقر السباب و الشتائم حتي مع العدو لأنه أسلوب سلبي لا يؤدي الي نتيجة صحيحة.

و قد رأينا أميرالمؤمنين عليه السلام كيف نصح أحد رجاله و قد أراد سب أهل الشام في صفين قائلا: لا تسبوهم ولكن صفوا أعمالهم، فالسب سيقابل بسب مماثل و لن يؤدي الا الي اضرام نار العداوة و الشحناء، أما وصف أعمال العدو فهي جديرة بلفت الأنظار اليه و كشف مساوئه و اتخاذ الموقف الصحيح منه.

و هكاذ كان الحسين عليه السلام يستعرض المسألة كلها أمام من جعلوا أنفسهم أعداء له و للاسلام، و يوضح لهم كيف أنهم انحرفوا و كيف أخطأوا و تمادوا في الانحراف


و الخطأ الذي ما كان أحد جديرا بتصحيحه الا هو عليه السلام، و كان جديرا بهم أن يقفوا خلفه وقفة شجاعة واعية بدلا من وقوفهم مع الدولة الظالمة التي جعلت الانحراف أساسا لمسيرتها.