بازگشت

سبب دعاء الحسين علي ابن حوزة


و مع ابن حوزة، لم يفعل سوي أن دعا عليه، فاستجاب الله دعاءه في الحال، كان ابن حوزة ضمن جيش ابن زياد الذي يقوده ابن سعد، و لعله كان جنديا عاديا بسيطا مغمورا، و قد أراد اظهار ولاءه للظالم بموقف يتميز به عن الآخرين، مع أن أحدا لم يطلب منه ذلك.

تقدم نحو معسكر الحسين عليه السلام صائحا:

(أفيكم حسين؟ فلم يجبه أحد. فأعاد القول ثانيا و ثالثا.

فقال له بعض أصحاب الحسين: هذا الحسين، فما تريد منه؟

فقال: يا حسين أبشر بالنار.

فقال الحسين: كذبت، بل أقدم علي رب غفور كريم مطاع شفيع، فمن أنت؟

قال: أنا ابن حوزة.

فرفع الحسين يديه نحو السماء، حتي بان بياض أبطيهما، و قال: اللهم حزه الي النار، فغضب ابن حوزة، و أقحم الفرس في نهر بينهما، فتعلقت قدمه بالركاب، و جالت به الفرس، فسقط عنها، فانقطعت ساقه و فخذه، و بقي جانبه الآخر معلقا بالركاب، يضرب به الفرس كل حجر و شجر، و ألقته في النار المشتعلة في الخندق فاحترق بها حتي مات). [1] .

و يلفت هذا الحوار نظرنا الي أمرين:

أولهما: ان ابن حوزة أصر علي سؤاله عن الحسين عليه السلام و لم يتراجع رغم


سكوت أصحاب الحسين و عدم جوابهم اياه، فقد كان يضمر ايذاء الامام عليه السلام بتوجيه كلمات نابية اليه، و كان يصر علي ذلك بترديده السؤال عدة مرات.

ثانيهما: ان الحسين عليه السلام بعد أن رأي اصراره في ذلك الموقف الدقيق علي توجيه كلامه النابي مما يعد تحريضا للآخرين للتمادي في عدوانهم معه، رده بحسم قائلا: كذبت، و كان يريد أن يكشف للآخرين أنه كاذب فعلا، و لم يزيد بعد ذلك علي أن رفع يديه بالدعاء قائلا: اللهم حزه الي النار.

انه لم يدع علي الآخرين الذين دفعوا لمقاتلته، بل الي أولئك الذين تطوعوا للقيام بأمور لم تطلب منهم، فهؤلاء يشكلون مثلا سيئا للآخرين، و لكل أعوان دولة الظلم علي امتداد الأيام، و حري بالجميع أن لا يلتفتوا اليهم بل و يقاطعوهم و ينبذوهم، فهم مخلوقات ضارة تعمل علي تهديم المجتمع و تحطيمه في سبيل مصالحها و في سبيل التقرب من الدولة الظالمة و أعوانها.

كان حريا بذلك المشهد أن يجعل جنود الدولة الظالمة يعيدون النظر بمواقفهم و لا يتمادون الي أبعد من ذلك مع الحسين عليه السلام، كما فعل مسروق الحضرمي الذي كان في أوائل الخيل و كان يطمح أن يصيب رأس الحسين عليه السلام لينال بذلك خطوة و مكانة لدي ابن زياد، غير أن ذلك المشهد جعله يتراجع عن عزمه نهائيا، و يترك الخيل وراءه، و قد أسر الي أخيه قائلا:

(لقد رأيت من أهل هذا البيت شيئا لا أقاتلهم أبدا). [2] .

كانت أخلاق الحسين عليه السلام و يقينه بعدالة قضيته و جوابه الواضح و اكتفائه بالدعاء علي ابن حوزة، و استجابة الدعاء بشكل فوري من قبل الله عزوجل، قد ملكت لب الحضرمي و جعلته يتراجع عن هدفه، و لو أن الآخرين التفتوا الي ما التفت اليه هذا لكانت المعركة قد أخذت اتجاها آخر، غير أن النفوس الميتة، و القلوب الضعيفة لم يردعها الاستجابة الفورية للدعاء و ما لقي ابن حوزة، و تجاهلت كل ذلك رغم يقينها أنها تحارب الي جانب عدوها و لصالحه و أنها تسعي لهلاك نفسها بأيديها، غير أنها لم تملك القوة التي تجعلها قادرة علي التصدي للظلم و الوقوف الي جانب الحسين عليه السلام.



پاورقي

[1] الطبري 322 / 3، و ابن‏شهر آشوب 56 / 4، و ذخائر العقبي الطبري ص 144، و البلاذري 191 / 3، و کفاية الطالب للکنجي 287، و ابن‏الأثير 289 / 3، و ينابيع المودة للقندوزي: باب 61 مع اختلاف يسير في النص.

[2] نفس المصادر السابقة.